منذ أن تأسست (رابطة الأدب الإسلامي العالمية) لم تتوقف الحرب ضدها لحظة واحدة، وقد استخدم (العلمانيون والحداثيون وإخوانهم في الرضاعة) الأسلحة كافة لمحاربة فكرة الأدب الإسلامي واقتلاعها من جذورها.. إنهم يريدون للأمة أدباً علمانياً أو ماركسياً أو وجودياً أو أي لون آخر من الأدب إلا أن يكون "إسلامياً"!
فالقوم يراهنون على تمزيق هوية الأمة الثقافية، حتى تصبح فاقدة الوعي والذاكرة، وتصير عالة على موائد الغرب وفتات الآخرين.
ومنطق الذين يعارضون (الأدب الإسلامي) هو منطق الذين يخشون الرؤية "الإسلامية" ويرفضون الالتزام بالإسلام منهاج حياة، وهم يقولون جهلاً : لماذا تُدخِلون الإسلام في كل شيء؟! إنها فئة تعد الإسلام نفسه تخلفاً وجموداً وتأخراً، وهم يرون في الأدب الإسلامي خطراً يتهدد ما يؤمنون به من مذاهب الأدب الدخيل، سواء كان أدب الماركسية أو أدب الحداثة أو أدب الوجودية، أو العبثية، أو غير ذلك مما تجد له أتباعاً متحمسين يريدون أن يُلْبِسوا أمتهم ما لا يتوافق وذوقها وأصالتها ودينها وتراثها الأدبي.
• مسرح التغريب والتخريب:
ومن أسف أنهم نجحوا في تحقيق غاياتهم؛ حتى صارت أرضنا وديارنا مسرحاً واسعاً لعمليات التغريب و التخريب والاستلاب الحضاري والاجتياح الثقافي والغزو الفكري الذي يتم من خلال خطط علمية، تجنّد لها دوائر البحث العقول والأموال والأجهزة، وهي تعرف بالضبط ميادين عملها والأهداف التي تسعى إليها.
وقد يكون للغرب مسوغاته لاعتناق مثل هذه الأيـديولوجيات الوضعية، لكن أوطاننا ومجتمعاتنا العربية والإسلامية ما أغناها عن معرفة مثل هذه (الموضات والتـقـاليـع) الفـكرية التي يخــترعها مسـتشرقون جاهـلون أو مبشرون حاقـدون أو أدباء ماجنون. وما كان ليحدث هذا في أرض الأنبياء ومهبط الهـدايـات، لـولا أولياء الغرب وربائبه الذين يحتفلون بـ "نابليون" و "اللورد كرومر" وغيرهما ممّن مشى على تاريخنا مستهزئاً.
إنهم بالتعاون مع سادتهم وكبرائهم "يغربنون" العالم العربي والإسلامي، ويركّعونه، ليحوّلوه عبداً وخادماً بألف وسيلة: بالترويج للمذاهب والفلسفات الغربية، والتسويق للنظريات الاستهلاكية الشاذة، والتفريغ الفكري والثقافي، وإثارة الطائفيات العرقية والأقليات الدينية، واستغلال الجروح التاريخية، وفرض المخاوف الاجتماعية والمشكلات المستعارة والمصطنعة، وتشويه القيم التي تعارفت عليها المجتمعات، وتدمير الروح المعنوية للأمة، ونشر الضياع والفوضى والانحلال الأخلاقي.. فالغرب الآن لا يسلب الثروات المادية فقط كما كانت الحال في الأيام الاستعمارية البائدة، ولكنه يدمر القوى الفكرية والثقافية والروحية التي يمكن أن تقول ذات يوم: "لا" للغاصبين.
فترويضهم للعالم العربي والإسلامي هو نزع عناصر مقاومته، وتدمير حصونه الثقافية، وهذا شرط أساسي لاستغلاله بأقل جهد، وأسرع وقت، وأقل كلفة، والغاية عندهم تبرر الوسيلة؛ كما قال ممثلهم الأكبر (ميكافيلِّي).
أولئك "أعداء الأمة" وسماسرة الفكر وتجار المذاهب الذين تلقّفوها من الفكر الغربي، وروّجوا لها عبر صحفهم ومجلاتهم المأجورة، فصنعوا بها واقعاً مريراً، ودنيا مختلطة، وراحوا يطالبون الآخرين بأن يعتنقوها ويؤمنوا بها، بلْ يرهبونهم بشتى الوسائل، كما قال سلفهم الطالح لمخالفيهم: {لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [ إبراهيم: ٣١]!
لقد ابتليت الأمة من أقصاها إلى أقصاها بدعاة العلمنة والتنوير والحداثة من أمشاج وبقايا حقبة الماركسية، أولئك الذين إذا ذُكِرَ الإسلام اشمأزّتْ قلوبهم، وإذا ذُكِرتْ الماركسية وأخواتها إذا هم يستبشرون! أولئك الذين رتعوا في أجهزة الإعلام فعربدوا في ميادين الفكر، متطاولين على التراث، ملفّقين التاريخ، مزيّفين الواقع.
سيقول المغفلون من بني جلدتنا فيما بينـهم: واصِلوا الدفاع عن "العلمانية" و "الحـداثة" و "التنوير" لإزالة الثوابت الدينيـة، وإقـامة الدولة المدنـية، ونشـر مـبادئ العلمانية، وما أُوحي إلينا، وما أُوحي إلى أساتذتنا من قبل: {أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ ص: ٦]!
ومن جانبنا نقول: إذا كانت حرية مَن يسَمَّوْن بـ "دعاة التنوير والحداثة" هي أن يكتبوا ما يشاؤون، فحريتنا نحن أن نردّ على أخطائهم وخطاياهم، وللرأي العام والتاريخ بعد ذلك أن يفصل في الأمر كله؛ فليس بالحداثة تحيا الشعوب؛ فهناك أُمم وشعوب كثيرة لم تفرّط قيد أنملة في تراثها وماضيها، وهي تخطو الآن خطوات واسعة لقيادة العالم كالهند والصين وما حولهما من القرى.
لذلك؛ فالواجب على الأدباء والمثقفين الأصلاء أن يكشفوا عن تلكم المؤامرة التي ينسج خيوطها «مارينز» الثقافة العربية، وربائب الاستعمار، واليساريون المتأمركون، وأن يردّوا على (أبواق) الغرب، عسى الله أن يكفّ بأس الحداثيين والتغريبيين.. والله أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلاً!
• الإرهاب الفكري:
نعم! إن المتأمل في المشهد الثقافي اليوم لا يكاد يملك نفسه من فرط الحسرة التي تنتابه لما آلتْ إليه منظومة الثقافة على أيدي المتغرّبين الذين حوّلوا الثقافة والأدب إلى حربةٍ تهاجم الإسلام والمسلمين، وحوَّلوا الفكر والفن إلى هتاف وصياح وصرخات تشنجية، ومارسوا أسلوب الإرهاب الفكري في وجه مخالفيهم، وكثير من رواد الفكر - المزعومين الواهـمين- صنعوا من فكرهم بوقاً يردد في غير وعي مبادئ المذاهب الوافدة، ويروِّج لها ويحـاكـيها في مؤلفـاته وآرائه، وأحياناً كثيرة يقوم بعض هـؤلاء الواهـمين بسرقة الأفكار التغريبية، وتقديمها في صورة مشوهة ممسوخة، كما هي الحال في المؤلفات التي يتحدث أصحابها عن "البنيـويـة" و"التفـكـيك" و"الألسنية" وغيرها من مفردات الحداثة، ولولا الإطالة لذكرت أسماء هذه الكتب، وأسماء وعناوين أصحابها، وأرقام هواتفهم، وأنواع الهدايا والمنح والموائد التي تتنزّل عليهم وعلى حوارييهم بسبب نشر هذه الكتب والترويج لها.
فبسبب هؤلاء تشهد أمتنا اليوم انسلاخاً حضارياً، وعدواناً تدميرياً في مجال الأدب والثقافة، ومن ذلك ما يردده أهل الباطل من زخرف القول، وما يدَّعونه من حياد الفن، وتحرره من قيود العقيدة، وهؤلاء يقدمون أدباً سخيفاً وفناً مدمراً للأخلاق، ومدمراً للشعور، زاعمين أنه لا علاقة بين الدين والأدب.
• دعوة إلى الأدباء الإسلاميين:
إذا كانت هناك كلمة باقية فإنما هي دعوة للأدباء الشرفاء جميعاً، من أجل تضميـد جــراح الأمة الذي تعرَّض كثيراً لرياح التغريب والعلمنة، وسهام الحداثيين الطائشة.
فالأمر جدُّ خطيرٍ، خاصة بعدما حرث هؤلاء الأرض أمام كل ما دُبّر لهذه الأمة في الظلام، وراحوا فرحـين ينادون بقطع علاقة الدين بالثقافة والأدب وسائر شؤون الحياة، وإطلاق العنان للأهواء البشرية بلا قيود ولا حدود.
ولقد كان عهدنا بهذه الشرذمة هو التخفي والالتفاف والمناورة؛ لما يعلمون من خروج دعوتهم على محكمات الكتاب والسنة والقيم الراسخة من الأعراف والتقاليد الاجتماعية، إلا أنهم قد تجاوزوا ذلك، وأخذوا يستعلنون بهذه الزندقة بعد أن تواصوا في محافلهم بذلك، وأجلبوا بخيلهم ورجلهم على مرتكــزات الشريعة وأصولها الكبرى، وهدم القيم والأخلاق، والتكتل في جبهة موحدة لمواجهة الأدباء المحافظين، في جرأة لا يحسدون عليها، ضاربين عرض الحائط بقواعد الأدب والبيان، وما استقر في وجدان هذه الأمة وضـميرها.
فلقد رأينا منهم من يعلن بمِلء فِيْه رفضه المطلق لقضية التوحيد والإيمان، وتبنِّيه الفصل المطلق بين الدين والحياة، واستعداءه على حَمَلَة الشريعة ودعـاة الإسـلام، بل على الشعائر الإسلامية ذاتها.
ولقد رأيـنا منهـم من يغـتالون التاريخ الإسلامي كله؛ فلا يرون فيه إلا سلسلة من المجون والمظالم ، محاكاة منهم لادعاءات اليهود وكتابات غلاة المستشرقين والمغرضين.
كما رأينا منهم من يسخر بشدة من الرموز الإسلامية والفـكرية، بـل إن منهـم من تطـاول على الأنبـيـاء والمرسلين، ورسالات السماء: بالتلميح تارة، وبالتصريح تارة أخرى كما في أشعارهم الفاسدة التي ينشرونها في الصحف والمجلات.
لذا وجب على "الشرفاء" أن يعلنوا إبراءً للذمة أن مثل هذا التطرف العلماني الجاهلي خروج على قيم الأمة! وعـدوان سافر على مرجعيتها المقدسة كتاباً وسنة! كما أنـه في الوقت ذاته إساءة بالغة إلى وجه العروبة والإسلام.
إنه لمن المحزن حقاً أن تصبح ثوابت هذه الأمة ومحكمات هذه الملة غرضاً مباحاً لهؤلاء الجهلاء، يخوضون فيه طعناً وتسفيهاً وتشويهاً وتزييفاً، بعدما تجردوا من العقل والموضوعية والخُلُق.
وعلى الأدباء "الشرفاء" أن يعلنوا وقوفهم بحزم أمام تلك الدعوات بكـل مذاهبـها وأجـناسها ورجالها وأدواتها، وأن يعلنوا صراحة أن مثل هذه الدعوات الكاذبة والمذاهــب الفلسفية والأدبية الشاذة التي تتنافى وسمو الإســلام ورسالته