بصدور أول فهرس عربي للمخطوطات العربية في باكستان عن المنظمة الاسلامية للتربية والثقافة والعلوم، الذي أعده الدكتور أحمد خان، يكون قد أميط اللثام للمرة الأولى عن كنوز هذه المخطوطات التي ظلت لسنوات مجهولة بالنسبة إلينا.
ويطرح هذا الفهرس الذي يضم أربعمائة مخطوط حقائق عدة منها:
1- هناك اتصال ثقافي وتجاري بين البلاد العربية والمنطقة التي أصبحت الآن جمهورية باكستان الإسلامية، يعود تاريخه إلى القرن الخامس قبل ميلاد المسيح عليه السلام، وقد أخذ هذا الاتصال قوة دافعة بدخول محمد بن القاسم إلى السند، وذلك عام 92 هـ، حيث أنهى حكم "راجه داهر" وفتح أهم أجزاء هذه المنطقة.
وكان لهذا الحدث أثر كبير في دخول الناس في الإسلام أفواجاً ، فامتزجوا مع العرب وانتشرت لغة الضاد في هذه المنطقة.
وبعد تأسيس الإدارة الإسلامية أصبحت العربية اللغة الرئيسة في السند والمناطق المجاورة، كما صارت مفتاح الحضارة لهذه المنطقة لقرون، وأثرت هذه اللغة بقوتها على اللغة الوطنية بحيث أنك تجد الكثير من التعبيرات والأساليب والمصطلحات والجمل لللهجات المحلية الباكستانية ذات أصل عربي ، حتى قيل إن حظ اللغة العربية من اللغات المحلية يتجاوز الستين في المائة.
2- من المعروف أن اللغة وسيلة لنقل أفكار الناس التي تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل، وبما أن اللغة العربية ظلت في هذه المنطقة اللغة الأولى، فإن وجود المخطوطات العربية بأعداد كبيرة يعد أمراً طبيعياً.
هذا إضافة إلى عوامل أخرى كثيرة تسببت في انتشار المخطوطات العربية في المنطقة
منها:
أن باكستان قريبة جغرافياً وتجارياً من الدول العربية وبذلك لم تكن هناك حواجز أمام تبادل الكتب والمنشورات، فوصلت الكتب إلى هذا الإقليم مبكرة في القرون الأولى للفتح الإسلامي بطرق متعددة.
ومنها :أن الطلاب والعلماء في موسم الحج اعتادوا أن يجلبوا معهم الكتب والمؤلفات من الدول العربية أو من المناطق الإسلامية التي يمرون بها.
ومنها : حركة التأليف التي قامت في البلاد على يد مجموعة كبيرة من علماء الباكستان والهند وما جارهما ،وهو تأليف شمل مختلف العلوم الإسلامية.
أضف لذلك عوامل أخرى أدت إلى وجود هذه الكتب في هذا الإقليم، أهمها: الإهداء المتبادل، حيث كانت الهدية الأغلى هي الكتاب.
لذلك لا عجب أن تجد في هذا التراث الاسلامي الباكستاني كتب قديمة، كـ"المدونة الكبرى" في جامعة بنجاب على رق الغزال وهناك ما دوّن على ورق وجلود وأوراق الشجر وحتى على الأحجار.
كما أن هناك مخطوطات عالمية و نفيسة لا تكاد توجد إلا في الباكستان منها "عجائب الأشعار وغرائب الأخبار" لمسلم بن محمود بن رسلان الشيرازي، في بيشاور.
ولا شك عندي أن محبي الأدب سيجدون بغيتهم هنا في هذه المنطقة التي تحتوي على مخطوطات نادرة في العالم، منها نسخة القرآن الكريم التي نسختها ياقوت المستعصمي.
ومنها مؤلفات عبدالعزيز بن أحمد الفريهاروي، و"شرح منازل السائرين للشيرازي"- قال بعض الباحثين إنها النسخة الأخيرة الموجودة اليوم- أما طبقات القراء للذهبي فإن له نسخة فريدة، بحسب علمنا، في العالم، وهي تمثل شكل الكتاب النهائي. وكذلك الحال مع نسخة "شفاء السقام ودواء الآلام" لخضر بن علي بن الخطاب.
بقي أن نقول : هذه المخطوطات مبعثرة بين مدن وقرى باكستانية، فهناك مخطوطات عربية وإسلامية موجودة في كل قرية تقريباً يتوارثها الباكستانيون جيلاً بعد جيل على مدى قرون والآن أصبحت هذه المخطوطات تتلاشى بطرق مختلفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ