تكنولوجيا الصورة واستخدامها في التعليم
إذا كانت لغة التعليم هي مختارات توافق بين اللغة اللفظية الفونيمية الشكلية واللغة البصرية الحسية الحاصلة عن المشاهدة . فهذا يؤكد بما لا يدع مجالا للريبة على أنه من الضروري أن يكون الاهتمام بها ( أي بتكنولوجيا الصورة)محاكيا الأهمية التي تحظى بها اللغة الشكليةمن تنظيم وتأسيس ، ذاك لأن الصورة يمكنها أن تقوم بدور رئيس في توجيه الرسالة التعليمية وتنظيم الشبكة المعرفية ، بحيث يغدو التعليم والتعلم مهارتين فاعلتين وظيفتين داخل الحقل التربوي ، وذلك لأنها تتميز بخاصيات تنفرد بها وهي :
v إنها عامل تشويق يثير اهتمام المتعلم
v تميزها بالدقة والوضوح أكثر من اللفظ
v قدرتها على إثارة نفسية المتعلم والتأثير فيه نفسيا وعقليا
v قدرتها على تقريب البعيدمكانا و زمانا والغوص في اللازمن
v تشجيع المتعلم على استثمار ملكته العقلية من ملاحظة وتأمل وتفكير. وبذلك تتحقق له المعارف وينقل المعلومات وتتوضح لديه الأفكار
فالصورة أضحت جزءا من هيكلية النص الخطابي (إذا كان كتاب التلميذ قد اعتمد لغة واضحة وميسرة للتعلمات ، فإنه أيضا قد وظف صورا ورسومات ملائمة لموضوعاته لاستحثاث دافعية القراءة ، والتي لم يعد لها دور التزيين والترويح عن العين بل أضحت جزءا من تضاريس النص )
فرغم هذه الأهمية التي تكتسيها الصورة التعليمية في هذا العصر الذي نعيشه إلا أن الواقع عكس ذلك ، فالمعلم والمتعلم على حد سواء لم يستفيدا منها ، والإلقاء ما يزال هو الأداة الفعلية المسيطرة على العملية التربوية والتعليمية . ومنذ اكتشاف الأقمار الصناعية والكمبيوتر والفيديو وشبكة الأنترنيت وغيرها ، أصبحت الوسائل جزءا مهما ومتكاملا مع العناصر التي تكون عملية الاتصال . حيث يقول أحد المفكرين وهو حسن الطوبجي ( ولا نغالي إذا قلنا إن أهمية الوسائل التعليمية لا تكمن في الوسائل في حد ذاتها و لكن فيما تحققه هذه الوسائل من أهداف سلوكية محددة ضمن نظام متكامل يضعه المعلم لتحقيق أهداف الدرس . ويأخذ في الاعتبار معايير اختيار الوسيلة أو إنتاجها وطرائق استخدامها ومواصفات المكان الذي تستخدم فيه وناواتج البحوث العملية وغير ذلك من العوامل التي تؤثر في تحقيق أهداف الدرس . وبمعنى آحر ، يقوم المعلم باتباع أسلوب شامل لتحقيق أهداف الدرس وحل مشكلاته )
1- الصورة التعليمية ومهارة المعلم :
إن تعميق أثر العملية التربوية التعليمية ونجاحها يحتاج إلى تنمية قدرات المعلم ومهاراته لكي يحسن انتقاء واستخدام الوسيلة التعليمية التي تمده بآليات تساعده في تقديم المادة وتوجيه الرسالة الخطابية إلى المرسل إليه( أي المتعلم)داخل قاعة التدريس المجال الأنجع للتدريس . وبذلك لا تحدث الفجوة بين المادة النظرية والمستقبل . . وهذا لا يتحقق إلا إذا أقيمت دورات تدريبية للمعلم حتى تنمو لديه ملكة إنتاج الوسيلة التعليمية واستخدامها .
فقد أكدت الدراسات العلمية الحديثة ، أنه كلما زاد التأثير على حواس المتعلم زاد نجاح الوسيلة التعليمية ( الصورة) في تحقيق الأهداف المنوطة من الدرس .
إن الثورة التكنولوجية التي نعيشها اليوم فرضت الصورة وصيرتها أداة للتبليغ تمتلك سائر مقومات التأثير الفعال في مستقبليها
ونحاول في هذا الموضوع أن نبحث نظام الصورة في التعليم أدوارها وقوانين توظيفها .
v نظام الصورة في التعليم ( خصائصها) :
1- الصورة والذاكرة :
إن التعليم يعتمد بشكل أساسي على الذاكرة – في مختلف أطواره- سواء أكانت الذاكرة لفظية أم بصرية . فالذاكرة هي الميزة التي تترك للمعارف المكتسبة آثارا تتقوم بها التجربة ويتعدل السلوك . وتاريخ الإنسان سجل حافل بالنماذج التي تؤكد هذا الدور . وترتبط الصورة التعليمية المتحركة ( الأفلام ، صور تلفزيونية ، شفافيات ) بالذاكرة التي تستطيع تحريك المخزن وإحياء ما بات راكدا بمجرد استثارتها بموقف أو صورة أو حدث أو كلمة .
v تناسق الصورة مع حاستي السمع والبصر :
إن الصورة تخاطب حاستي السمع والبصر في آن واحد . وهذا سر نجاحها في تحقيق الأهداف التعليمية بسبب الطبيعة التلازمية لهذه الثنائية ، إذ لا يمكن تصور فصل الصورة عن الكلمة في الصورة المتحركة ( أفلام ، أشرطة ، فيديو إلخ) . وهذا ما يؤكده المختصون مثل دراسة مارك ماي ، فقد توصل إلى أن ( التعليق المصاحب للفيلم له فائدة كبرى في استخدام الحوار الحي بين الشخصيات )
فالوسائط السمعية البصرية لا بد أن تتلاحم ( يمكن أن تكتسب مفاهيم ومبادئ جديدة على العرض المرئي ، لكنه لايكون مجديا إذا اعتمدنا عليه كليا في الدراسة والتعليم . فالكلمات تؤدي دورا في التوجيه إلى الدلائل وتفسير الإشارات ، لهذا الغرض يجب استخدام الكلمات ضمن الوسائل البصرية)
v توحد الصورة بالحركة :
تتميز الصورة التعليمية بحاجتها للحركة والدينامكية مما يصيرها ذات خصائص نفسية وجمالية ومعرفية ، تستطيع أن تترجم مختلف الأنشطة المعرفية .
وقد استثمر الدراميون هذا الأمر في تفسير وتوضيح دلائل الصورة في الإنتاج السينمائي وآليات قراتها من طرف المشاهد . وتوصلوا إلى وضع قاموس بصري حركي هو :
*الحركة الرأسية الصاعدة تعبر عن الأمل و التحرر
* الحركة الرأسية الهابطة تعبر عن الاختناق والدمار والحروب
*الحركة المائلة تعبر عن الفرح والنفس المستبشرة
إن الحركة في الصورة التعليمية تستهدف الجانب المعرفي بالدرجة الأولى وليس الجانب النفسي الجمالي عكس الأنواع الأخرى . وهي تشمل مقومات هي :
1 الحركة الطبيعية للشيئ المصور
2الحركة الأسرع من الواقع
3الحركة البطيئة
4 كثافة الحركة
فالحركة الطبيعية هي التي نشاهدها في الصورة التعليمية ، إذ تحافظ على الخصائص الذاتية الزمانية والمكانية للمادة المصورة . وقد تعرض في أحايين أسرع أو أبطأ بحسب الأغراض التي يقصدها المنتج و المخرج . وأما الحركة الكثيفة فيراد بها تكثيف الزمن لأجل استثمار معارف عدة في الدرس التعليمي التربوي . إن الصورة المتحركة المكثفة تلخص لنا - مثلا – زمن تفتح الوردة في دقيقة واحدة بالنظر إلى زمن تفتحها الفعلي وهو يومان . ويتحقق ذلك بففعل تثبيث الكاميرا أمام موقع التجربة وضبط سرعة التصوير لأجل التقاط صورة واحدة كل نصف ساعة . وعلى المعلم أن يحدد تخطيط العرض وينظمه بحيث يكون واعيا باللحظة الاستراتجية المناسبة التي يقدم فيها الصورة
v الصورة والتأثير الفوري :
وهي خاصية تتميز بها الصورة الموضوع /الهدف . فهي تشعر المشاهد / المستقبل أنه يمر بالخبرة نفسها التي تعرض أمامه ، وهذا يساعده على تسريع تثبيت المعرفة ، والتدقيق في ملاحظته . كما أنها تزيده إحساسا بأهمية ما يشاهده وبحداثته . فهذه أمور تجذب انتباه المستقبل وتدفعه دفعا للتعرف عليها . وحسبنا مثالا على ذلك الأشرطة الوثائقية التي تنقل حياة الشخصيات أو تصور الحروب التاريخية .
إن الصورة التعليمية هي فنمن الفنون الحديثة ، فن زمكاني واقعي ، تقوم على ارتباط وتآلف الأبعاد الثلاثة التالية : المرسل – الخطاب – المستقبِل .
فالمرسل هو المعلم الذي يحسن انتقاء التقنية التعليمية التي يتخذها وسيلة تعليمية لتوجيه خطابه المعرفي وجعله مشوقا .
والمستقبل هو المتعلم الذي يستجيب للبرنامج التعليمي المشاهد وينفعل به
والمعلم يوجد فجوات في العرض حتى يحرك خبرة المشاهِد ، فيشارك ذهنيا في صياغة الصورة من خلال استنتاج الفجوة واستكمالها . وهذا النوع من العرض يسرع في عملية توصيل المعرفة ، ما دام المشاهد يشارك في صياغتها
v الصورة التعليمية والزمن
إن الزمن في الصورة التعليمية المتحركة المعروضة له أبعاد هي :
- زمن العرض
- زمن الحدث الذي تدور فيه التجربة المراد تصويرها – وزمن الإدراك أي إحساس المتلقي بما يشاهد وتفاعله بأحداث التجربة ومن ثم استخلاصه للنتائج المتوسمة من العرض بكيفية سريعة ، متكاملة ودقيقة .
2- أدوار الصورة في التعليم :
إن للصورة التعليمية سواء أكانت فوتوغرافيا ، فيلما تليفزيونيا ، سنيمائيا أقراصا مضغوطة أو أنترنيت أهمية كبرى في مسار الدورة التعليمية التربوية . فهي كما يؤكد فيرث :
v تقدم الحقائق العلمية في صورة معلومات بصرية سمعية
v تقدم للمتعلم فرص المقارنة والتأمل ، وتمده بسبل التفكير الاستنتاجي فضلا عن كونها أساسا معرفيا لغير القادرين على الاستنتاج انطلاقا من القراءة المباشرة فقط
v إنها عنصر تشويق ، تحمل مضامين الخطاب وتوضح أفكاره وتيسر فهمه وتبسط المعلومات للأطفال
ولذلك ، لابد من الاهتمام بالصور التعليمية المنشورة في الكتب المدرسية والتجارية التربوية الموجهة للأطفال نظرا لدورها التعليمي الخطير (فمهمة تكنولوجيا التعليم ليس تقديم المادة فحسب وإنتاج المعلومات بل تعليم المادة وضمان وصولها للمستقبل ) .
v إن الصورة التعليمية بهذه الأدوار التي تضطلع بها تستطيع أن تجدد النشاط الذهني للمتلقي . فأثناء العرض يغدو المستقبل على وعي بالمعلومات السابقة المخزنة سلفا في ذاكرته،فيستدعيها ويقارنها بالمشاهد الحديثة . فالصورة إذا ( هي عملية ربط المعارف المتتابعة في حياة الفرد الاجتماعية والثقافية والنفسية والجمالية
v كما أن للصورة التعليمية- وهي وظيفة تنفرد بها- دورا في تنمية القدرات العقلية للمتعلم / المستقبِل من إبداع وإدراك وتفكير وتذكر على المدى البعيد . هذا التذكر الذي يتوقف على عوامل عديدة منها زمن عرض الصورة ، نصاعة الضوء ،واللون ، وإثارة المشاهد وتشويقه حتى تتمكن الذاكرة لاحقا من إعادة إحياء واستدعاء المعلومات عبر الزمن
ولا ينحصر تأثيرها العقلي / النفسي على هذا المجال فحسب ، فالصورة في تكنولوجيا التعليم المعاصر ، تستطيع أن تحدث تعديلا وتغييرا في سلوكات الفرد غير المرغوب فيها ، وتحفزه لاكتساب أنماط جديدة ( كما تؤكد ذلك دراسة اللغوي جيمس براون ، فقد وجد علاقة بين تتابع عرض الصور المتحركة ( الفيلم) وبين تتاببع مركب السلوك ، إذ أن الهدف السلوكي قد تحقق على مراحل متتابعة مع تتسلسل الفيلم .
وقد لاحظنا هذا الأمر على أطفالنا من خلال الحصص التلفزيونية التربوية التي كانت تعرض مثل حصة افتح يا سمسم ، أو مدينة القواعد . فقد تمكن الأطفال / التلاميذ من اكتساب مهارات نحوية بفضل متابعتهم الدائمة والحية لمثل هذه البرامج
v أن تمكن من فهم العلاقات بين الأشياء
v أن تساعد في بناء المفاهيم الجديدة السليمة
ولكي تصل الصورة المتحركة إلى تحقيق أدوارها الوظيفية ، يشترط فيها أن تكون :
1 *واضحة
2*أن تساعد على بلوغ الهدف من الدرس وتيسره
3*أن تنمي معلومات المتعلم وتفتح آفاقه المعرفية
4*أن تمكنه من التركيز على الجوانب المهمة منها
5* أن تكون حديثة ، دقيقة لافتةللانتباه ، مثيرة للنقاش ، حاملة للمعلومات الرئيسية ، أي متضمنة محتوى الرسالة الخطابية .
فإذا ما كان محتوىالصورة مراعيا لقدرات المتعلم / المتفرج ومتناسبا وملكاته اللغوية والمعرفية والنفسية ، فإنها ستسهم فعلا في تحقيق الأهداف التربوية والتعليمية .
الخلاصة :
فالصورة التعليمية – إذا – أساسية في مجال التربية .ولذلك ، لا بد من تفعيل العملية التربوية التعليمية وتوطيدها بالصورة على اختلاف أشكالها وأحجامها ، حتى تستطيع أن ترسخ في ذاكرة المتعلم ما لا تستطيع اللغة الحرفية الشكلية أن تبقيه .
الأستاذة شفيقة العلوي
المدرسة العليا للأساتذة بوزريعة