لغة الطفل في السنوات الخمس الأولى
أول ما يصدر من أصوات عن الطفل عند الولادة هو صرخة الولادة، وبطبيعة الحال ليست هذه الصرخة وما يصدر عن الوليد بعد ذلك بقليل من أصوات لغة أو كلاما، ولكنها بلا شك مفيدة للوليد، وخاصة من حيث هي تمارين في استعمال جهاز النطق عنده.
ويبدأ الطفل استعمال اللغة كوسيلة للاتصال في ما بين اثني عشر شهرا وثمانية عشر شهرا من عمره، وتتطور اللغة تطورا سريعا إلى درجة انه ما أن يبلغ الطفل أربع سنوات من العمر حتى يصبح قادرا على استعمال عشرة آلاف كلمة في اليوم الواحد، وعندما يبلغ الست سنوات من عمره تكون قد تشكلت لديه حصيلة كبيرة من المفردات تصل إلى 2500 كلمة مختلفة.
وبهذه السن يستطيع الطفل تشكيل جمل مختلفة الطول والتعقيد. وعندما يبدأ المدرسة يكون قادرا على التعبير عن حاجاته باستعمال لغة واضحة – هذا إذا أحسن التكيف مع أجواء المدرسة.
وتوصل بعض المؤلفين إلى نمط معين تتطور لغة الطفل على أساسه إلى مرحلة تعلم القراءة والكتابة.
1 - يتعلم الطفل الإصغاء إلى اللغة المحكية ليميّز مقاطع الكلام ويربط الكلمات بالواقع المادي المحيط به.
2 – يتعلم الطفل استعمال الكلام للاتصال بالآخرين – يبدأ أولا بجمل مؤلفة من كلمة واحدة، ثم تزداد جمله تعقيدا.
3- يتعلم الطفل التمييز بين الرموز البصرية المختلفة من حروف وصور.
4- يتعلم الطفل الربط ما بين الكلمات المطبوعة والأجسام المادية والأفكار الأكثر تجريدية ويتعلم استعمال هذه الكلمات في جمل وفقرات قصيرة مفيدة.
5- يبدأ الطفل كتابة الكلمات، مع بعض التدريب في استعمال الرموز اللفظية في النصوص المقروءة. ويساعد التدريب على الخط والتهجئة في تعزيز الإقبال على الكتابة.
مشكلات لغوية عند دخول المدرسة:
هذه المراحل التي أتينا على ذكرها هي مراحل عامة ولا تنطبق بحذافيرها على كل تلميذ وتلميذة. ويجب أن يدرك المعلم أن تلاميذه الثلاثين هم في مراحل متفاوتة من التطور اللغوي، ويعانون من مشكلات لغوية مختلفة اختلافا بينا. من هذه المشكلات:
يعاني كثير من الأطفال من إحساس مربك بالخجل في الوضع الاجتماعي الجديد في المدرسة. فالواحد منهم يعرف كيف يخاطب أمه أو أباه أو أخوته الكبار في البيت، ولكنه لا يعرف كيف يخاطب من هم في سنه في الصف أو المدرسة، وهم قادمون من أسر تختلف في مستوياها الاجتماعية والاقتصادية. وقد يكون هذا واضحا في وضع تلميذ ذكي قادر على استعمال مفردات كثيرة بجمل أكثر تعقيدا مما يستعمله أطفال آخرون. فقد يغدو هذا التلميذ موضع سخرية من بقية التلاميذ.
ويألف بعض الأطفال استعمال شكل خاص من اللغة في البيت يفهمه أفراد الأسرة ولا يفهمه معلم الصف في المدرسة، الأمر الذي يولد صعوبات في طريق تكيف هذا التلميذ مع جو المدرسة. يضاف إلى ذلك أن بعض المفردات التي يستعملها الطفل في البيت للتعبير عن حاجاته الأساسية كالذهاب إلى المرحاض قد تسبب له الإحراج إذا استعملها في الصف، وهذا الإحراج يجعل عملية التكيف في المدرسة أكثر صعوبة.
ويواجه بعض الأطفال صعوبة في النطق الواضح السليم، وقد لا يكون هذا عقبة كبيرة في بداية السنة المدرسية، ولكن المعلم الحاذق يستطيع أن يلاحظ إن كان يمكن مساعدة الطفل بعرضه على مشرف لغوي متخصص في تقويم مشكلات النطق بتمارين خاصة وبعلاج فيزيائي.
ومن الممكن أن لا يفهم التلميذ اللغة التي يستعملها المعلم نظرا إلى أن الجو المدرسي يستدعي استعمال مفردات جديدة. كما أن المدرسة قد تفرض على التلميذ نمطا جديدا من استعمال اللغة والنطق، وهذا يزيد من أعباء التكيف مع الظروف الجديدة. وهنا يتعين على المعلم أن يعي أهمية تشجيع التلميذ على التعبير الحر وأن يعي المرحلة من التطور اللغوي التي يمر بها.
وقد تفرض المدرسة على التلميذ أن يبدأ في تعلم القراءة والكتابة في مرحلة أبكر مما يجب في السنة المدرسية الأولى. ومن المعروف أن الكتابة والقراءة امتداد لقدرات لغوية مبكرة. يقول بعض المؤلفين إن التلميذ يستعمل بالمتوسط ثلاثين ألف كلمة في اليوم قبل دخول المدرسة، ولذلك فمن المتعذر عليه أن يقفز قفزة كبيرة ما بين الكلام الحر والقيام بمهام جديدة كل الجدة تضع قيودا على ما يستطيع أن يفعله.
عوامل التطور اللغوي:
ويؤكد المؤلفون العلاقة بين التطور اللغوي للطفل ونموه العام في السنوات التي تسبق الالتحاق بالمدرسة. ويحددون ثلاثة أنواع من العوامل:
العامل البدني: يتعلم الطفل قبل سنوات المدرسة جملة من المهارات الحركية العامة التي يستعملها في النشاطات العضلية. ويتعلم التوافق العضلي عن طريق هذه النشاطات. وهذه مرحلة يزداد فيها نشاط الطفل الحركي، الأمر الذي يستدعي أن توجه المدرسة اهتماما خاصا لبرنامج يهدف إلى تنظيم هذه النشاطات وربطها بالبرامج اللغوية. فالمدرسة ليست للجلوس فحسب، كما أن تلقي المعلومات قد يقيد تفكير الطفل وحركته. ويولي المعلم عناية خاصة لتطوير توافق العضلات الصغيرة كعضلات العينين والفكين واليدين المستعملة في الكلام والقراءة والكتابة.
العامل العقلي: يهتم تلاميذ هذه المرحلة بالأشخاص والأشياء المحيطة بهم بشكل مباشر، وبالتدريج يتعلمون الاهتمام بالأشخاص والأشياء التي تقع خارج بيئتهم المباشرة. ويجب أن تكون هذه الخبرات حقيقية ويجب أن ترتبط بالخبرات السابقة للأطفال حتى تصبح جزءا من حياة الطفل. والأطفال في هذه المرحلة أطفال واقعيون، فعندما يروون قصة يهتمون اهتماما عظيما بكل تفصيل فيها. وعندما تتقدم بهم السن قليلا يصبحون أكثر انتقائية للتفصيلات في القصة. ولغة الأطفال في هذه المرحلة تركز على الواقع وهي لغة مباشرة ومحددة. وشيئا فشيئا تنتقل اللغة من المادي إلى المجرد. ويهتم الأطفال حتى سن الخامسة أو السادسة بوصف الأشياء، في حين أنهم بعد السابعة يهتمون بالأسباب وراء حدوث الأشياء وكيفية حدوثها.
العامل الاجتماعي: يبدأ الطفل في سن دخول المدرسة التخلي عن اللعب وحده، ويميل إلى الألعاب الأكثر تنظيما التي يشارك فيها عدد من الأطفال. واللغة هنا مباشرة ومحددة، والجمل واضحة، والطفل هنا أكثر قدرة على المشاركة في المناقشة الجماعية. وفي أواخر هذه المرحلة يأخذ الأطفال بتقسيم أنفسهم إلى فئتين واضحتين: واحدة للبنات وواحدة للأولاد. وكل فئة لها ما يميزها من الألعاب والاهتمامات.
د. زياد الحكيم
استاذ جامعي سوري - بريطانيا