إن كرامة الإنسان أصيلة يستمدها من ذات إنسانيته؛ أي أنها كرامة لا تتبع جنسيته، ولا لونه، ولا قومه، ولا حسبه ونسبه، ولا مكانته ومنزلته. وهو في هذه الكرامة على سواء مع بني جنسه وبلا تفرقه وبلا استثناء. ومحل هذه الكرامة هو الإنسان بمادته وروحه؛ إذ أن الجانب المادي هو جسم الإنسان من حيث أعضاء هذا الجسم، والجانب النفسي يشير إلى كيان الإنسان وشعوره ومعنوياته.
وانطلاقاً من هذه الكرامة الإنسانية لا يجوز أبداً أن يُهان الإنسان، أو أن يتعرض لأي من ضروب المعاملة اللاإنسانية أو الحاطة بكرامته.
وتصف اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان المعاملة اللا إنسانية treatment inhuman بأنها هي: المعاملة التي تسبب معاناة نفسية وجسدية قاسية وغير مبررة.
كما تذهب - كذلك - إلى القول بأن المعاملة أو العقوبة الموقعة على الشخص يمكن أن تكون حاطه بالكرامة Degrading إذا ما انطوت على إذلال جسيم للشخص أمام الآخرين، أو دفعته للتصرف ضد إرادته ومشاعره، أو إذا هي قلّلت من منزلة أو وضع أو سمعة أو صفة الشخص في عين نفسه، أو في أعين الآخرين.
وعلى الرغم من أن الإنسان هو صاحب الحق أو المصلحة في الكرامة وتحرره من كافة الآلام البدنية والنفسية ولكن ذلك لا يمنع من الاعتراف بالقيمة الاجتماعية لهذا الحق، ذلك بالطبع لأن عدم حماية الإنسان من الممارسات والعقوبات اللا إنسانية أو الحاطّة بالكرامة يؤدى إلى تحطيم شخصيته، وتعطيله عن ممارسة رسالته في الحياة.
وانطلاقاً من حق المتعلم في عدم معاملته على نحو لا إنساني أو حاط بكرامته فإنه على المدرسة، ليس فقط مجرد التوقف عن أنواع معينة من ممارسات الانضباط اللا إنسانية كالعقاب البدني أو المعنوي، وإنما عليها كذلك فحص مختلف السلوكيات التي تؤدي إلى العنف داخل المدرسة سواء بين الطلاب وبعضهم، أو بينهم وبين المعلمين، والتفكير كذلك في العوامل الشخصية والمدرسية التي تساعد في منع السلوك العدواني، وكيفية الاستجابة تجاه المواقف الصعبة ، والعمل على تعزيز مهارات وكفايات المعلم على خلق بيئة مدرسية من شأنها أن تمنع العدوان داخل الفصل.
و على المدرسة كذلك توفير الإدارة الديمقراطية التي تقوم على احترام قيمة المتعلم وذاتيته كغاية في حد ذاته، والاعتقاد دوما بأن المتعلمين لديهم القدرة على إصدار أحكاماً سديدة عن ما يجب أن يقوموا به داخل المدرسة، وعلى هذا ينبغي أن تتاح لهم الفرصة والحرية الكاملة لممارسة هذه القدرة . ومن ثم وجوب منح الطفل صوتا مسموعا في صنع وتنفيذ قواعد الفصل والمدرسة.
وعند الأخذ في الاعتبار عدم جواز الفصل بين أو تجزئة حقوق الإنسان وأن الكرامة الإنسانية للإنسان تقتضي كفالة تمتعه بكل فئات حقوق الإنسان، ندرك مركزية حق المتعلم في المعاملة الإنسانية وفق مقتضيات كرامته، وأن الافتئات على أي من حقوقه الإنسانية يعد في ذات الوقت افتئات على كرامته.
ومن ثم فإن المدرسة - في هذا الصدد - ملزمة أيضاً بأن تحترم الحياة الخاصة للمتعلم فلا يُعتدى على سرية مكاتباته ومراسلاته، وإتاحة المجال له للاحتفاظ بأسراره التي يرى في حجبها عن الآخرين تحقيق مصلحة له وحمايته من التعسف في التفتيش، وألا تنتهك ملكيته الخاصة بأي شكل من الأشكال، وحمايته كذلك من المسارقة البصرية والسمعية.
والمدرسة ملزمة كذلك في أن يتبع معلموها طرائق التدريس التي تؤمن بالذكاء الإنساني، وتراعي الفروق الفردية، وتتيح الفرص المتكافئة بين المتعلمين ويطبقوا القوانين المدرسية بعدالة ومساواة تامة على جميع المتعلمين، وفي ضوء ذلك، فإن لكل متعلم يدعى أنه انتهك القانون والقواعد المدرسية أو يتهم بذلك افتراض براءته إلى أن تثبت إدانته، وعدم إكراهه على الإدلاء بشهادة أو الاعتراف بالذنب، ومعاملته بطريقة تتفق مع درجة إحساسه بكرامته.
وعلاوة على كل ذلك فإن المدرسة ملزمة تجاه كل متعلم تعرض لأي من ضروب المعاملة اللا إنسانية، أو الحاطّة بالكرامة أن تعمل على إعادة تأهيله نفسياً وذهنياً وترد عليه كرامته، بما يحقق له معاودة الاندماج في مجتمعه المدرسي.
عادل فتحي عبد الله