إحراق طارق بن زياد للسفن أسطورة – لا تاريخ !?
الدكتور : عبد الحليم عويس
- قضية إحراق طارق للسفن في المصادر التاريخية .
لم تحض قضية من قضايا التاريخ الإسلامي الأندلسي باهتمام المؤرخين واختلافهم , وجنوح بعضهم - في ثقة واطمئنان – إلى الرّأي المثبت , وجنوح آخرين – في ثقة مماثلة – إلى الرّأي المنفي , مثلما حظيت قضية إحراق طارق بن زياد للسفن , التي عبر عليها جنوده إبان فتحه إسبانيا ( رجب –رمضان 92هجرية /يونيو 711 ميلادية ) .
فبعض المؤرخين الذين ينتمون إلى أزمنة مختلفة وأماكن مختلفة يتجاهلون قصة إحراق طارق للسفن , ويتحدثون عن الفتح دون أدنى إشارة إليها – على ما سنفصله فيما بعد - وكأن شيئ لا أصل له , وبعضهم في المقابل يتناولون قصة ( إحراق طارق للسفن ) وكأنها حقيقة ثابتة لا تحتاج إلى الوقوف عندها ولا إلى ذكر إدلة على وقوعها , وبالتالي فهم يعرضونها بطريقة تقريرية , ويعتبرونها مفخرة من مفاخر الفتوحات الإسلامية , وعملاً بطولياً شجاعاً يدل على روح الفداء والا ستشهاد التي عرف بها المسلمون والعرب في عصر الفتوحات الإسلامية الأولى !.
ولقد ذاع الرّأي ( المثبت ) القصة إحراق السفن , وشق طريقه في الفكر التاريخي , وكأنه حقيقة مسلّم بها , مع أنّه لم يظهر إلاّ بعد مرور أربعة قرون ونصف القرن من تاريخ الفتح الإسلامي لأسبانيا , إذ لم يشر إلى قصة إحراق السفن هذه أحد من المؤرخين القدماء , سواء من المدرسة التاريخية المصرية التي أرخت للأندلس خلال القرن الثالث الهجري وهي مدرسة ابن عبد الحكم المؤرخ المصري , صاحب كتاب " فتوح مصر والمغرب والأندلس " وعبد الملك بن حبيب الذي عاش في مصر , وإن كان أندلسي الأصل , وصاحب كتاب " مبتدأ خلق الدنيا " المغرب بتاريخ عبد الملك بن حبيب - أم من المدرسة التاريخية الأندلسية التي ظهرت في القرن الرابع , وهي مدرسة أبي بكر محمد القرطبي المعروف بابن القوطية ( ت 376هجرية ) وصاحب كتاب "تاريخ افتتاح الأندلسي " ... ولم ترد عند آل الرازي - أحمد بن محمد وعيسى ابنه - وابن الفرضي _( 403هجرية ) صاحب " تاريخ علماء الأندلس " والخشني صاحب كتاب " قضاة قرطبة " فكل مؤرخي القرن الرابع هؤلاء لم يظهر أثر للقضية في كتابا تهم !!
وحتى مع ظهور المدرسة التاريخية المغربية والأندلسية المتألقة في القرن الخامس الهجري , تلك التي قدمت لنا عدداً كبيراً من أعلام المؤرخي الأندلسيين من أمثال شيخ مؤرخي الأندلس أبي مروان بن حيان القرطبي صاحب المقتبس " ... , وابن حزم الأندلسي صاحب " نقط العروس " و " طوق الحمامة " و " جمهرة أنساب العرب " و " كتاب المفصل " وعدد كبير من الرسائل , وكلها مطبوعة موجودة , والحميدي صاحب " جذوة المقتبس " وصاعد صاحب " طبقات الأمم " و الطرطوشي صاحب " سراج الملوك " والرقيق القيرواني صاحب " تاريخ إفريقية والمغرب " وغيرهم .
حتى مع ظهور هذه المدرسة المغربية والأندلسية المتميزة والمستوعبة فإنه لم يظهر في تراثها أثر القصة إحراق السفن التي نسبت إلى طارق بن زياد في فتحه للأندلس .
ومن الجدير بالذكر أن مصادر القرن السادس للهجرة – المعاصرة - للإدريسي وابن الكردبوس القائلين بقصة لإحراق - لم تورد هذه القصة أيضاً – فلم تظهر القصة عند ابن بسّام الشنتريني صاحب " الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة " ولا عند ابن بشكوال صاحب " الفهرست "
كما أن القصة لم تظهر عند لا حقيهم من مؤرخي القرن السابع , فليس لها أثر في موسوعة ابن عذاري المراكشي " البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب " و " المعجب في تلخيص أخبار المغرب " لعبد الواحد المراكشي و " الذيل والتكملة " لمحمد بن عبد الملك المراكشي , و " التكملة والحلة والسيراء " لابن الأبار , ومحمد بن علي الشباط المصري التوزي صاحب " صلة السمط وسمة المرط " وهي لم تظهر كذلك عند مؤرخي القرن الثامن الهجري وعلى رأسهم علامة المغرب عبد الرحمن بن خلدون , ولسان الدين بن الخطيب .
فهل يمكن أن يتجاهل جميع هؤلاء المؤرخين المغاربة الأندلسيين - خلال هذه القرون - قصة هذا شأنها في تاريخهم ?? .