وجدت بالصدفة قراءة في كتاب الرسول المعلم و أساليبه في التعليم فأحببت أن استدركه على الكتاب نفسه للفائدة
قراءة في كتاب
الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم وأساليبه في التعليم
الشيخ عبد الفتاح أبو غدة
يحيى بشير حاج يحيى
منهج المؤلف ـ طيب الله ثراه ـ في هذا الكتاب كما أشار في المقدمة إيراد الأحاديث الكثيرة من هديه صلى الله عليه وسلم في التعليم وأساليبه فيه ، وعزو الحديث إلى مصادره ، والتعليق عليه ، ومن ثم الإشارة إلى كثير من الفوائد والاستنباطات الجليلة ، وذكر مظانها في عدد كبير من كتب الأئمة ، وقد قسم الكتاب إلى شطرين : الشطر الأول اختص ببيان شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وذاته الشريفة ، وبيان رفيع مزاياه وتصرفاته الحكيمة ،والشطر الآخر لعرض أساليبه في التعليم وسديد إرشاداته وتوجيهه.
الرسول المعلم صلى الله عليه وسلم
جعل المؤلف ـ رحمه الله ـ هذا القسم للحديث عن كون النبي صلى الله عليه وسلم معلماً بنص القرآن الكريم ، وإثبات السنة المطهرة . " هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ".
".. وإنما بعثت معلماً " ".. إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماًُ ميسراً ".
ثم شهادة التاريخ بكمال شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم التعليمية ، بحيث تتقاصر أمامه أسماء كل الكبار الذين عرفوا وذكروا في عالم التربية والتعليم وتاريخهما ، ومن ذلك حضه على محو العامية وتحذيره من الفتور في التعليم والتعلم ، ثم كلمة وجيزة عن شخصيته التعليمية التي تبرز فيها الرأفة والرحمة ، وترك العنت وحب اليسر، والرفق بالمتعلم ، والحرص عليه ، وبذل العلم والخير له في كل وقت ومناسبة ، ثم كلمات جامعة في بيان خصائص هذا الرسول المعلم وفضائله ، وشرف أخلاقه وشمائله ، تتبدى منها جوانب شخصيته العامة ، لأن معرفتها من تمام معرفة شخصيته التعليمية ، التي هي جزء منها ولا تستقل عنها ، كما يتبدى منها أيضاً مبعث قبول أقواله وأحكامه الصادرة عنه ، والتأسي بأفعاله الواردة منه ، ومدى وقعها في النفوس ، وهي تشمل كل جانب من جوانب الحياة والدين ، وقد أثبتها المؤلف رحمه الله من كتاب " أعلام النبوة " للماوردي .
ألوان متعددة من الحديث
ويقدم المؤلف ـ رحمه الله ـ لهذا القسم بأن من درس كتب السنة وقرأها بإمعان رأى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلون الحديث لأصحابه ألواناً كثيرة ، فكان تارة يكون سائلاً ، وتارة يكون مجيباً ، وتارة يجيب السائل بقدر سؤاله ، وتارة يزيد ما سأل ، وتارة يضرب المثل لما يريد تعليمه ، وتارة يصحب كلامه القسم بالله تعالى ، وتارة يلفت السائل عن سؤاله لحكمة بالغة منه صلى الله عليه وسلم ، وتارة يعلم بطريق الكتابة ، وتارة بطريق الرسم ، وتارة بطريق التشبيه أو التصريح ، وتارة بطريق الإبهام أو التلويح ".ثم يسوق نماذج كثيرة للأساليب التعليمية من خلال تعليمات النبي صلى الله عليه وسلم المدونة في كتب السنة المطهرة ، وقد وصل بها إلى أربعين أسلوباً مدللاً عليها بالشواهد ، مستنبطاً منها الفوائد ، محلاة بالتعليقات الطريفة اللطيفة ، وما من شك أن من يمعن النظر في هذه الأساليب ، وما أفاده منها التربويون والعلماء المسلمون خلال العصور، وما استنبطوه من طرائق ، يجد لها متشابهات كثيرة في طرائق التعليم وأساليب التدريس في هذا العصر، كانت الريادة فيها لخير المعلمين صلى الله عليه وسلم ، كما كان السبق في تطبيقها في وقت متقدم جداً لأتباعه الذين فقهوا عنه ، وتتبعوا آثاره .
أساليبه صلى الله عليه وسلم في التعليم
ومما يجدر الإشارة إليه أن كتب التربية والتعليم المعاصرة حفلت بأساليب متعددة ، كان للأسلوب النبوي فضل الريادة فيها ، والإشارة إليها ، وتطبيقها عملياً ، وسنقف هنا عند عشر مما أورده المؤلف ـ رحمه الله ـ لنرى أسبقية الأسلوب النبوي فيها :
ـ التدريج في التعليم (تعليمه صلى الله عليه وسلم الشرائع بالتدريج) مقدماً الأهم فالأهم ، ومعلماً شيئاً فشيئاً ، ليكون أقرب تناولاً ، وأثبت على الفؤاد حفظاً وفهماً ، من ذلك ما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه " كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يتجاوزهن حتى يعرف معانيهن ، والعمل بهن ".
ومن تطبيقاته في أساليب المربين ما قاله ابن شهاب " ولا تأخذ العلم جملة ، فإن من رام أخذه جملة ذهب عنه جملة ، ولكن الشيء بعد الشيء مع الأيام والليالي ".
ـ رعاية الفروق الفردية في المتعلمين ، وقد أشار المؤلف إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان شديد المراعاة للفروق الفردية بين المتعلمين من المخاطبين والسائلين ، فكان يخاطب كل واحد بقدر فهمه ، وبما يلائم منزلته ، من ذلك قوله لرجل : " لا تغضب " وكررها ثلاثاً ، وأمره لآخر وقد جاء يبايعه على الجهاد والهجرة أن يبقى مع والديه ، ويحسن صحبتهما ، وطلبه من أحدهم وقد سأله ما أكثر ما يخافه عليه ، أن يمسك عليه لسانه !!
ـ تعليمه بالحوار والمساءلة ، وهي طريقة تذهب الملل عن السامع وتجعله يحفظ ما يسمع وقد رآه شاخصاً أمام عينيه كما في حديث جبريل وسؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان .
ـ استعمال وسائل الإيضاح بأشكالها المتعددة (بالرسم على الأرض والتراب) قال جابر: " كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فخط بيده في الأرض خطاً هكذا أمامه ، فقال : هذا سبيل الله عز وجل ، وخط خطين عن يمينه ، وخطين عن شماله ، وقال : هذه سبيل الشيطان ، ثم وضع يده في الخط الأوسط ، ثم تلا هذه الآية : " وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم مما وصاكم به لعلكم تتقون ".
ـ ابتداؤه صلى الله عليه وسلم أصحابه بالإفادة دون سؤال منهم ! لا سيما في الأمور المهمةالتي لا ينتبه لها كل واحد حتى يسأل عنها ، فكان صلى الله عيه وسلم يعلم أصحابه جواب الشبهة قبل حدوثها ، خشية أن تقع في النفوس فتستقر بها ، وتفعل فعلها السيئ .
ـ تشجيع المحسن في إجابته (امتحانه صلى الله عليه وسلم) العالم بشيء من العلم ليقابله بالثناء عليه إذا أصاب .
ـ توظيف المناسبات (انتهازه صلى الله عليه وسلم المناسبات العارضة في التعليم) فيربط بين المناسبة القائمة ، والعلم الذي يريد بثه وإذاعته كما في قصة الجدي الميت ، وتهوين أمر الدنيا في قوله : " فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم ".
ـ تعليمه صلى الله عليه وسلم (بالترغيب والترهيب) وعدم اقتصاره على الترهيب خشية التنفير، ولا على الترغيب لئلا يؤدي إلى الكسل وترك العمل .
ـ تعليمه بالعبرة (بالقصص وأخبار الماضين) ليكون في ذلك العبرة والموعظة والقدوة والائتساء .
كما في حديث الرجل والكلب العطش ، وفي حديث المرأة والهرة التي حبستها .
ـ ضبط المعلومات بالكتابة (اتخاذه صلى الله عليه وسلم الكتابة وسيلة في التعليم والتبليغ ونحوهما) فقد كان له أكثر من خمسة عشر كاتباً يكتبون عنه القرآن ، وكتاب آخرون إلى الآفاق والملوك لتبليغ الإسلام ، والدعوة إليه .
وبعد أن يورد المؤلف ثلاثين أسلوباً ، من مثل اهتمامه بتعليم النساء ووعظهن ، واكتفائه بالتعريض والإشارة في تعليم ما يستحيا منه ، وتعليمه بالمقايسة والتمثيل ، واستعادة السؤال لإيفاد بيان الحكم ، وإجماله الأمر ثم تفصيله ليكون أوضح وأمكن في الحفظ والفهم ، يختم بالتعليم بذاتيته الشريفة صلى الله عليه وسلم ، فهو معلم بذاته الشريفة لكل متعلم ومسترشد ، تتمثل فيه غاية التعليم بأساليبه المختلفة ، فقد كان صلى الله عليه وسلم معلماً ، بمظهره ومخبره ، وحاله ومقاله ، وجميع أحواله .