[
b][color:3958=red]لا تصالح
لا تصالح
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ ..؟
وكيف تصير المليكَ ..
على أوجهِ البهجة المستعارة ؟
كيف تنظر في يد من صافحوك..
فلا تبصر الدم..
في كل كف ؟
إن سهمًا أتاني من الخلف..
سوف يجيئك من ألف خلف
فالدم - الآن - صار وسامًا وشارة
لا تصالح ،
ولو توَّجوك بتاج الإمارة
إن عرشَك : سيفٌ
وسيفك : زيفٌ
إذا لم تزنْ - بذؤابته - لحظاتِ الشرف
واستطبت - الترف
من قصيدة "لا تصالح" أمل دنقل
الأسئلة:اقرأ النص قراءة منهجية مركزا على ما يلي :
- تتبع الرؤيا التي يعرضها الشاعر في النص .
- أسباب رفض الشاعر المصالحة .
- القوة الإنجازية التي تفيدها الأساليب الإنشائية في النص .
- بين كيف ساهمت اللغة والإيقاع في تشكيل الرؤيا لدى الشاعر .
تحليل النص : عرف الشعر العربي عدة تحولات وتغييرات في البناء والدلالة منذ العصور القديمة، ولكن حدة هذا التجديد بدأت تتبلور بوثيرة متسارعة مع العصر الحديث بظهور مدارس تتبنى التغير والتطوير والتجديدعلى مستوى المفهوم والبناء،إلى أن وصل مع الشعر الحر لآفاق في التجديد مفتوحة على المجهول لا نعرف لها نهاية ، حتى أصبح التجديد مرتبطا بالشاعر ورؤيته للشعر وبتجربته الشعرية ،ويعتبر أمل دنقل من الشعراء الذين ساهموا في بناء هذا الصرح الجديد لمفهوم الشعر ،إذ جعل من القصيدة دفقة من دفقات النشاط الفكري الإنتاجي التي تعبر عن مواقفه ورؤيا ه الإستشرافية .والنص الذي بين أيدينا تجربة من تجارب الشاعر مع الرؤيا و الإستشراف،فما هي مظاهر الرؤيا في النص وكيف تفاعلت المكونات الفنية لبلورتها وصياغتها؟.
أمل دنقل منذ بداية النص يعبر صراحة وبكل قوة عن الرؤيا التي يؤمن بها ويقتنع بآفاقها المستقبلية ،عندما يبدأ الخطاب بالنهي مع العنوان"لا تصالح" ويتكرر في السطر الأول ثم السطر الثاني عشر مما يحول النهي أمرا صارما لا يقبل التعديل ، أمر نابع من رؤيا الشاعر الجازمة بعدم جدوى المصالحة ،فمهما كان المقابل مغريا يبقى تافها أمام فضاعة العدو الماضية:
" كيف تنظر في يد من صافحوك..
فلا تبصر الدم..
في كل كف ؟ "
والتي تمتد حتى في الحاضر والمستقبل:
" إن سهمًا أتاني من الخلف..
سوف يجيئك من ألف خلف"
هذه الفضاعة جعلت الشاعر متيفنا بأن مستقبل المصالحة سيكون أفضع إذا لم يُواجَه العدو بالسيف الذي يضمن البقاء والاستقرار"إن عرشَك : سيفٌ".
فأمل دنقل يطرح مبررات واقعية تجعل رفض المصالحة منطقيا ومطلوبا خاصة وأن العدو مارس همجية القتل وسفك الدماء حتى الثمالة مما يجعل المصالحة شوطا من أشواط الغدر والمخاتلة لإحكام قبضته على الخناق ،والاستمرار في غيه وبطشه ،وبذلك يؤكد الشاعر استحالة المصالحة بعد الكشف عن الوجه الحقيقي للعدو
" فالدم - الآن - صار وسامًا وشارة"
ولكي يضعنا الشاعر أمام الصورة الحقيقية للعدو والتي تبرر النهي عن المصالحة بالأساليب الإنشائية بما تفيده من قوة انجازية مستلزمة تستبعد كل المبررات التي قد يتدرع بها كل من يفكر في المصالحة ، فبعد النهي "لاتصالح" يأتي الإستفهام الذي يعدد أنواع الجرائم التي ارتكبها العدو في حق الشعب كما في السطر الثالث والرابع والسادس
" كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ ..؟
وكيف تصير المليكَ ..
على أوجهِ البهجة المستعارة ؟
كيف تنظر في يد من صافحوك..
فلا تبصر الدم."
فالإستفهام جاء ليؤكد حقيقة الرؤيا عند الشاعر والتي لا ينكرها إلا خائن .
فالشاعر جعلنا نشمئز من مصالحة العدو ،ونقتنع برؤياه التي تنهى عن المصالحة ، واللغة الشعرية لعبت دورا كبيرا في ترسيخ هذه الوظيفة التأثيرية التي يتبناها الشاعر ،فالمصالحة في النص أصبحت مشحونة بدلالة الخيانة لا يقبل بها إلا كل متواطئ مع العدو ، و"البهجة المستعارة" تحيل على النفاق والمكر و"الدم" يمثل الصلة الوثيقة التي تربطنا بضحايا العدو و"السهم"يمثل الجبن و الخساسة "الخلف"كلمة تحيل على الخيانة والغدر كما أن "السيف" رمز للكرامة والشرف يدافع عنهما بالقوة والقتال لا المصالحة المجانية .
فاللغة إذن تتدفق بدلالات إيحائية عميقة تتجاوز حدود المعجم لترتبط بالدفقة الشعورية وما تشيعه من انفعالات وتوترات دلالية ترصد معالم تجربة ورؤيا الشاعر
وجاءت البنية الإيقاعية المصاحبة للغة الشعرية لتجعلنا نتشبع برؤيا الشاعر نفسيا ووجدانيا بعد التشبع الدلالي والتأثيري لتكتمل القناعة التامة برؤيا الشاعر والتفاعل معها ، فنظام الأسطر الشعرية يجعلنا نتماهى مع دفقات الشاعر الشعورية هذا التماهي تزيد من قوته تلك الوقفات العروضية كما في السطر الأول والرابع والسادس والسابع والتاسع حيث جعل الشاعر الدلالة تتوزع بين الأسطر ،والوقفة الدلالية من خلال السطر الثاني والثالث والخامس والثامن مثلا فالأسطر هنا تنتهي دلاليا كدفقة كاملة، أما المستوى الإيقاعي الثاني الذي زاد من ترسيخ البعد الدلالي للرؤيا فهو التكرار الذي تحقق على مستوى الأسطر (السطر الأول والثاني عشر،السطر الثاني والثالث عشر)،وعلى مستوى الكلمة(كيف، الدم،سيف، خلف)، والتكرار الصوتي الذي يتماشى مع وثيرة درجة الإنفعال.
فمن خلال هذه المقاربة التحليلية يتأكد لنا أن الشعر الحديث رسم له مسارا جديدا جعله يتحول عن الشعر التقليدي من الرؤية إلى الرؤيا ،ومن الشطر إلى السطر ، ومن البحر الشعري إلى التفعيلة الإيقاعية ،فتحرر بذلك من وصاية الشعر العربي القديم.
منقول للفائدة[/b]