"ليس عارا أن يسقط المرء ، ولكن العار أن يبقى حيث سقط "
قد يؤخذ السقوط بمعنى الزلل ، وقد يؤخذ بمعنى الفشل.ويقصد بالزلل الوقوع في أخطاء من شأنها أن تسيء إلى سمعة الإنسان كأن يقترف إثما أو يجنح عن جادة الصواب ، ليقوم بأعمال ليست من النبل أو الشرف في شيء .أما الفشل فهو عدم الفوز في قضية من القضايا،والخيبة في أمر من الأمور ، أو مشروع من المشاريع.
ونتساءل فيما إذا كان زلل الإنسان أو فشله، يسببان له العار بين الناس ويصمان اسمه ويلطّخان شرفه ؟
لا شك في أن الزلل على النحو الذي فسرناه سابقا،يلحق العار بالإنسان لأن أول واجباته المحافظة على المثل الأخلاقية وعدم التردّي في مهاوي الرذيلة ، أو الشطط عن طريق الفضيلة ،لاسيما إذا كانت زلة المرء نتيجة التهور،لأن العقل يقضي بأن يتبصّر كل فرد قبل أن يقدم على عمل ما،من شأنه أن يهدد طمأنينته الروحية بالقلق ،أو يعرّض سمعته إلى السوء والدنس.
غير أن الفشل يختلف عن الزلل ،لأن النجاح ،وإن كان مرتبطا بإرادة الإنسان ،إلا أنه مرتبط كذلك بالظروف التي ترافقه والملابسات الزمنية والمكانية ،التي تحيط به .من المفروض أن يسعى الإنسان وأن يبذل كل جهده في إتمام ما يقدم عليه من مهمة وما يوكل إليه من مسؤولية.ولكن ليس مفروضا عليه أن ينجح لأنه لايستطيع دائما أن يتغلب على كل ما يعترض سبيله من عقبات ،وما يقف في وجهه من حواجز ،وما ينتابه من مصائب ،أو ينزل به من شدائد وهكذا نجد للإنسان عذرا إذا فشل ولم يوفّق،أو إذا خاب ولم ينجح.إلا أننا لا نعطيه العذر دائما إذا أو أخطأ،لأنه وهب العقل ومنح الضمير ،وعليه أن يسترشد بهما في كل خطوة من خطواته ، وفي كل مسعى من مساعيه .وهكذا نجد أن السقوط ليس عارا حين تخرج أعمال الإنسان عن نطاق قدرته فتصبح غير خاضعة لإرادته الذاتية ،مع اليقين بأن الكمال ليس في مقدور البشر لذا قيل:لكل لسان هفوة ،ولكل جواد كبوة،ولكل سيف نبوة
لئن وجدنا للإنسان العذر في أن يسقط فيفشل أو يقع في هفوات وزلات ،فلا عذر له إذا استسلم إلى اليأس،ولم يحاول أن ينهض من الهوة التي وقع فيها.فالفشل شيء واليأس من النجاح شيء آخر.وقد لمسنا في حياة العظماء أن الخيبة قد رافقتهم جميعا ،ولكن ثقتهم بأنفسهم لم تضعف وإيمانهم بالفوز لم يضمحل.فاتخذوا من محنهم قوة على المضي في الطريق التي رسموها لأنفسهم،مجددين محاولتهم في الجهاد والنضال حتى كتب لهم النصر الذي يصبون إليه.فاستحقوا عندئذ الثناء المضاعف،والحمد الأعم ،لأنهم برهنوا عن رجولة وكشفوا النقاب عن مضاء وعزيمة قوية إن الخطأ من طبيعة النفس البشرية. فبوسع كل امرئ إذا أن يمحو ما يلحقه من العار في فشله ، إذا هو برهن عن رغبة في إصلاح ما فسد وتحسين ما ساء وإلا فإن العار يلحق به أبد الدهر.
فاعمل أيها الإنسان جاهدا لكي تتقدم في مسعاك لأن العمل الطيب كالثمرة الطيبة،وهو يمحو العمل السيء، ويجدد الثقة بالنفس والحياة
كتاب الوسيط في قواعد الإملاء والإنشاء ص:303-304-305