تسيير القسم البيداغوجي فن لا يجيده إلا من يعرف تطبيق الأساليب التربوية الصحيحة ، وهو وان كان من المهارات التي تكتسب بالمران وطول التجربة ، إلا أن الاستعداد الشخصي يلعب دورا أساسيا في إتقانه . والدليل على ذلك أن بعض المربين ممن قضوا سنوات كثيرة في مزاولة التدريس ما يزالون غير قادرين على تسيير الأقسام التربوية التي يتولون تدريسها تسييرا ناجعا،والسبب في ذلك يرجع إلى عدم استطاعة المدرس إثارة الرغبة في نفوس طلابه إلى الدرس الذي يلقيه ، وفي غفلته عن مراقبتهم مراقبة تامة ،وفي عدم اهتمامه بالنظام وعدم التزامه جانب العدالة في معاملة الجميع ، واستعماله مختلف وسائل الترهيب في ضبطهم.
ويرى المشرفون والمدرسون أن عملية التحكم في القسم البيداغوجي تمثل جزءا هاما من عملية التدريس ،إذ بمجرد تجمع عدد من الأفراد يتراوح بين 40 و45 فردا في حجرة واحدة فانه سوف تظهر بعض المشكلات الخاصة بالتنظيم والتنسيق والمتابعة والتي تحتاج إلى حل ، ولهذا فان عملية تسيير القسم البيداغوجي تمثل الخطوة الأولى نحو تحقيق أغراض أكثر أهمية في عملية التدريس.
1. التسيير الناجح :
تتوقف القدرة على النجاح في تسيير القسم البيداغوجي على مقدار اهتمام المدرس بالعناصر البيداغوجية التي تساهم في تحقيق هذا النجاح وتطبيقها بمهارة وإبداع .وأهم هذه العناصر هي :
1. 1. الإثارة الفكرية :
وتقوم الإثارة الفكرية على :
ـ وضوح الاتصال الكلامي بين المدرس والتلاميذ،حيث يرتبط هذا الوضوح بطريقة شرح المدرس وعرضه للمادة العلمية .
ـ أثر المدرس الانفعالي الإيجابي على التلاميذ ، ويتولد هذا الأثر عن طريقة عرض المادة العلمية .
ـ إبراز العلاقات بين المفاهيم ، ومساعدة التلاميذ على معرفة التطبيقات العملية لهذه المفاهيم في بعض المواقف الجديدة .
ـ إشراك التلاميذ في العمل ،وهذا يجعل تقديم المضمون بطريقة تفاعلية ، وبحماسة عالية .
ـ تبدو الأفكار التي يعرضها المدرس على التلميذ مقبولة ، ومعقولة وواضحة وسهلة التذكر .
ـ انتباه التلاميذ لما يقوله المدرس ، فلا تتشتت أفكارهم خارج القسم
ـ شعور التلاميذ بأهمية استثارة الأفكار لهم ، ويعملون على الانتظام في حضور الدروس .
1. 2 . العلاقات الشخصية :
من الناحية النظرية ، تكون حجرة الدراسة حلبة للعروض الفكرية والمنطقية .ولكن من الناحية الواقعية ، فهي حلبة عاطفة تزخر بالعلاقات البينية حيث تحدث فيها العديد من الظواهر النفسية .
فمثلا ، تنخفض دافعيه التلاميذ للعمل إذا شعروا بعدم اهتمام المدرس بهم ،أو معاملتهم بطريقة قاسية ، أو يتحداهم ويقبض عليهم بيد من حديد .وهذا يجعل عواطف التلاميذ مضطربة ، وقد يتصرف بعض التلاميذ بسبب حساسيتهم المفرطة إزاء تصرفات المدرس العدوانية تصرفات عدوانية مناظرة .
كما يشتد غضب التلاميذ بدون استثناء (عاديين ومتفوقين ) عندما تبدو ممارسات الامتحان والتصحيح جائرة وغير عادلة .ومن جهة أخرى فان المدرس إنسان يريد أن يحبه التلاميذ ويحترمونه ، إلا انه يواجه نوعيات من التلاميذ مختلفة من حيث السلوك والظروف الأمر الذي يعرضه للقلق بسبب التصرفات السيئة من بعض التلاميذ .
ولقد أظهرت نتائج البحوث النفسية انه يمكن التنبؤ بردود فعل التلاميذ وتصرفاتهم العاطفية إزاء تفاعلهم مع بعضهم أو مع المدرس ،ولهذا يجب على المدرس أن يكون على وعي كامل بالظواهر الشخصية بين الأفراد داخل القسم وخارجه ، وان يتحكم في مهارة التخاطب مع التلاميذ بأساليب تزيد من دافعيتهم للتعلم واستمتاعهم بها ،وان يتجنب استثارة العواطف السلبية عند التلاميذ ، ولاسيما القلق الزائد والغضب . أن يعمل على تطوير العواطف الإيجابية عند التلاميذ ، مثلا : احترام التلاميذ وإثابة أدائهم الجيد .
وللمحافظة على مستوى العلا قات الجيدة بين المدرس والتلاميذ يجب مراعاة ما يأتي :
ـ الاهتمام بالتلاميذ كأفراد ، والشعور باستجاباتهم بخصوص المادة أو طريقة عرضها
ـ الاعتراف بردود فعل التلاميذ ومشاعرهم حول بعض المسائل المتعلقة بالواجبات والحقوق داخل القسم التربوي ،وتشجيعهم على التعبير عن تلك المشاعر ،واستطلاع آرائهم قي بعض القضايا .
ـ تشجيع التلاميذ على طرح أسئلتهم واستفساراتهم ، والاهتمام بوجهات نظرهم الشخصية .
ـ إشعار المدرس للتلاميذ بشكل واضح بأنه يهتم كثيرا بفهمهم للمادة ومعرفة جميع أبعادها بدقة
ـ تشجيع التلاميذ على الإبداع والابتكار ، بالاعتماد على أنفسهم في التعامل مع المادة ، كما يشجعهم على تكوين أفكارهم الخاصة .
ـ الاعتماد في توزيع المكافآت على المبادئ آلاتية :
مبدأ الحق : فالفرد الذي يساهم أكثر ويبذل جهدا أكبر،هو الذي يحصل على درجات أعلى
مبدأ المساواة : كل المشاركين في الجهد يحصلون على نفس المكافأة
مبدأ الحاجة : ويشير إلى أن الفرد الذي يمتلك حاجة أكثر يبذل جهدا أكبر ، ومن ثم يحصل على مكافأة أعلى .
1. 3 . العلاقات بين أعضاء القسم البيداغوجي :
تهدف العلاقات الإيجابية بين أعضاء القسم البيداغوجي إلى زيادة إحساس الأعضاء بالقدرة على تحمل المسؤولية والتحصيل . ويشير مفهوم الكفاءة الذاتية إلى زيادة قدرة الطالب على توقع الوصول إلى الأهداف المطلوبة باستخدام مجهوده الفردي الشخصي.ويتبع نمو مفهوم الكفاءة الذاتية لدى الفرد، نمو العديد من الكفاءات مثل نمو مفهوم توجيه الذات ، وزيادة المثابرة اللازمة لإتمام وإنجاز المهمة التعليمية ، وزيادة الثقة بالنفس ،وتجنب الشك في الذات والانشغال الذاتي الذي يحل محله التركيز .
يمكن لأنماط سلوكية معينة أن تقوم بدور هام في تغيير سلسلة الأفكار والمعارف التي يمتلكها الفرد .فتركيز الفرد على النمط الإيجابي من السلوك يؤدي إلى إثارة مشاعر الرضا والكفاءة لدى المتعلم ، وهذا بدوره يؤدي إلى توليد وتطوير أفكار وقضايا ، تنعكس إيجابا على ذات الفرد وعلى زملائه المشاركين معه في المجموعة . فالفرد الذي يحقق نجاحا شخصيا يسعى إلى الالتزام بسمات شخصية إيجابية .فكلما كانت فكرة الفرد عن ذاته طيبة مثل (أنا الفرد الذكي الذي يستطيع أن يؤدي هذه المهمة بنجاح)أو نحن المجموعة التي تستطيع تحمل الأعمال الجادة والالتزام بها ،حقق ذلك أهدافا إيجابية مثل :مقاومة القلق والانشغال الذاتي المؤديين إلى الأداء الضعيف ،ورعاية وتطوير معنى الكفاية الذاتية لدى الفرد .
وعلى هذا يجب على المدرس أن يعمل تدريجيا وباستمرار على تطوير الإحساس الإيجابي للفرد وجماعة القسم التربوي باستعمال التوجيه الإيجابي الذي يعزز الكفاءة الذاتية لأفراد الجماعة التربوية ، بتشجيعهم على المثابرة والإصرار على تحقيق النجاح مع تجنب تثبيط الهمم والعزائم
أما التوجيه السلبي فيرتبط بالقضايا السلبية الخاصة بالفرد والآخرين. فالتركيز على السلوكيات السلبية يؤدي إلى إثارة مشاعر عدم الرضا والمصاعب في وجه الفرد والمجموعة .فالتوجيه غير السار يثير سلوكيات غير سارة، وغير مشجعة للذات ، كما انه يثير سلوكيات مدمرة وعدوانية وهدامة. ومشاعر بالتعب وعدم الرضا .
هذا وهناك أنماط مختلفة من الطلاب لا توجد لديهم أدنى دافعية للتعلم ،ولا يستجيبون للمكافأة التي يقدمها المعلم . ونوع آخر عدواني وغير مطيع لقواعد العمل . هذا بالإضافة إلى نوع ثالث يميل لإثارة القلق داخل القسم . لذا فان عملية التحكم والتنظيم للقسم الذي يضم مثل هؤلاء الطلاب تمثل مشكلة أساسية لا غلب المعلمين .
ينسحب العديد من الطلاب من العملية التعليمية ، بسبب خجلهم واتجاهاتهم السلبية نحو ذاتهم، بالإضافة إلى عامل آخر يتعلق بفكرة الطالب السلبية عن الآخرين .ويستطيع المعلم أن يساعد هؤلاء الطلاب من خلال إيجاد أساليب تمكن الجميع من المشاركة في مختلف النشاطات داخل القسم ،وخاصة المشاركة في سير الدرس حيث يحاول المدرس منح فرص المشاركة للطلاب المنعزلين تدريجيا بالإجابة عن الأسئلة المناسبة لمستواهم ، حتى يتمكنوا من استعادة الثقة في نفوسهم والاندماج مع الآخرين .
تؤدي كراهية الطلاب لبعضهم البعض ، إلا تحاشي التعامل مع بعضهم البعض ، لذا فانه يجب على المعلم أن يلعب دورا لحل هذه الصراعات الموجودة بين الطلاب . وأثناء معالجته لهذه الصراعات يجب عليه أن يتذكر المبادئ الآتية :
ـ أن الاستخدام الزائد للتنافس يؤدي إلى إثارة الصراعات بين الطلاب .
ـ يمكن التقليل من الصراعات بين الطلاب عن طريق توجيههم وحثهم على التعاون فيما بينهم.
2 . أنماط الأقسام البيداغوجية :
يحدد ( توماس جود) أربعة أنماط شائعة للأقسام المدرسية ،هي :
2 . 1 . قسم فوضى باستمرار : ويقضي المعلم معظم اليوم يحاول ضبط القسم ، لكنه لا ينجح أبدا . وغالبا ما يتجاهل التلاميذ التوجيهات والتهديدات . ويبدو أن العقاب لا يكون فعالا دائما.
2 . 2 . قسم مليء بالضوضاء دائما : لكن الجو أكثر إيجابية ، ويحاول المعلم أن يجعل المدرسة مفتوحة بتقديم ألعاب وأنشطة ترويحية ،رغم ذلك تبقى هناك مشكلات ،فكثير من التلاميذ ينتبهون قليلا للدروس ،وقلما يقومون بما يكلفون به بعناية ،يحدث هذا كله رغم أن المعلم يملك ناصية الأنشطة الأكاديمية ليجعلهم مسرورين قدر الإمكان .
2 . 3 . قسم هادئ ومنظم جدا : لأن المعلم قد وضع قواعد وتأكد من إتباعها، ويلاحظ الخروج عليها بسرعة، وتوجيه تحذيرات لمن يقومون بها أو توقيع العقوبات إذا كانت هناك ضرورة لها. ويقضي المعلم وقتا طويلا يفعل ذلك لأنه يلاحظ بسرعة سوء السلوك. ويبدو المعلم ناجحا كواضع للنظام لأن التلاميذ يطيعونه غالبا. ورغم ذلك فان مناخ القسم ليس سهلا ، والمشاكل تبدو تحت السطح ، وخاصة عندما يغادر المعلم القسم .
2 . 4 . قسم يبدو وكأنه يدير نفسه : يقضي المعلم معظم وقته يعلم تلاميذه ،ولا يتعرض للمشكلات المتصلة بالنظام.ويتبع التلاميذ التعليمات ، ويكملون واجباتهم بأنفسهم،بدون إرشاد مباشر ،ويتفاعل التلاميذ مع بعضهم البعض.وربما تأتى الضوضاء من مصادر متعددة.ومع ذلك هناك اتجاه للانضباط من التلاميذ الذين ينخرطون في الأنشطة البناءة.وعندما تعلو الضوضاء فان مجرد تذكير المعلم يؤدي بفاعلية إلى خفتها .ويشعر من يراقب هذا القسم بإحساس دفء المناخ والإيجابية من أبرز سماته .
إن هذه الأنماط الأربعة قد توجد معا في أقسام مدرسة واحدة أيا كان المستوى الاقتصادي والاجتماعي لتلاميذها .