مستقبل أبنائنا.. كيف نصنعه؟
الجمعة 06 سبتمبر 2013 الأستاذ حجاج الحاج
kaheel7.com
ستفتح المدارس أبوابها بعد أن تزيّنت بزينة العلم لتستقبل فلذات أكبادنا من البنين والبنات، وقلوب الأولياء تهفو لمستقبل زاهر وعلم نافع لأجيال الجزائر الصاعدة، واضعين بذلك أثقل أمانة في عنق الأسرة التربوية من وزير القطاع إلى بوّاب المدرسة، وهي لعمري مسؤولية جسيمة وأمانة عظيمة.
كيف لا تكون كذلك والأمر يتعلّق بالعلم والمعرفة من جهة، وبمَن سيتولّى إدارة بلد وقيادة شعب بحجم الجزائر من جهة أخرى، ومن وصايا إمام الجزائر ورائد نهضتها: ”ومن شاء الشهرة في الوطنية والقومية فليدخلها من باب ترقية أفكار الناشئة ودعوة الآباء إلى ما يوجبه عليهم الإسلام” {الشهاب}.
ستفتح المدارس والجامعات أبوابها لأجل عبادة وأعظمها شرفًا، فبها فُضل آدم على الملائكة، وبها نال الرفعة قوم دون غيرهم {يَرْفَعُ اللّه الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، بل إنّ معرفة اللّه والإيمان به لا تتأتّى إلاّ بالعلم {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّه}.
والعلم هنا ليس فقط علم الشّريعة كما يتوهّم بعض الجهلة بالدِّين، بل هو بمفهومه المطلق والشّامل كلّ علم نافع للدِّين والدنيا معًا.
وفضل طلب العلم وشرف أهله في القرآن الكريم وسُنّة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ما لا يمكن حصره، وحسبنا في ذلك كلّه أنّ أوّل ما نزل من القرآن الكريم في أوّل اتّصال بين أمين الوحي جبريل وسيّدنا محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم الأمر بالقراءة والعلم مع ذكر أدواته ووسائله {اقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق..}. وأحسب أنّ رفع مستوى التّعليم وتحقيق أهدافه، من خلق مجتمع يقرأ ويكتب ويخترع ويقود، لا يمكن أن يتحقّق إلاّ إذا اكتملت وتكاملت فيه جهود أطراف معادلته، فإعداد المناهج والخطط ينبغي أن يسند لأهل الاختصاص ممّن لهم باع علمي وتجربة ميدانية، فأهل مكة أدرى بشعابها، آخذين بالحسبان أمرين مهمين: أوّلاً تثبيت وترسيخ الثّوابت والقيم الدينية والوطنية، والّتي هي اليوم على المحك أكثـر ممّا كانت عليه أيّام الاستدمار الفرنسي، ذلك أنّ فاقد الشيء لا يعطيك، فمَن فقد الوازع الديني والحس الوطني لا تستبعد بيع دينه ووطنه بثمن بخس، يقول مالك بن نبي: ”فالبناء الاجتماعي لا يقوى على البقاء بمقوّمات الفن والعلم والعقل فحسب، لأنّ الروح والروح وحده هو الّذي يضمن للحضارة البقاء والاستمرار”.
أمّا ثاني ما يجب مراعاته والاهتمام به، رعاية مادية ومعنوية، فهم مَن يتولّى تلقين وتدريس تلك المناهج لأبنائنا وفلذات أكبادنا من المعلمين والأساتذة ومن في جملتهم من الإداريين والمساعدين، ولهم منّا تحيّة إجلال وإكبار وما نحن إلاّ حسنة من حسناتهم، وإليهم نتوجّه بالتّذكير، والذكرى تنفع المؤمنين، فنقول لهم أنّ أبناءنا أمانة في أعناقكم استودعناها عندكم، فكونوا لهم قدوة في أخلاقكم حتّى يحبُّوكم، ثمّ خُذوا بعقولهم إلى عالم من العلم والمعرفة حتّى تنالوا بعد ذلك الثّواب الجزيل عند اللّه ”إنَّ اللّه وَمَلاَئِكَتَهُ حَتَّى الحِيتان في البحر ليستغفرون لمعلمي النّاس الخير”، والثناء الجميل عند النّاس، قال عمر رضي اللّه عنه: ”مَن علّمني حرفًا صِرت له عبدًا”، بل يكفيكم شرفًا وفخرًا يوم تجدون صناعة وحرث أيديكم اليوم نخبًا وإطارات تقدّم النّفع لبلدهم وأمتهم.
أمّا الطرف الآخر في معادلة التّعليم هُم الأولياء والجمعيات الوصية، فهم ألصق بالولد وأعرف النّاس به وبميولاته، فالواجب عليهم آكد من الرعاية وتوفير الأجواء وتفقّدهم وزيارة مدرّسهم والسؤال عن نتائجهم ومذاكرتهم لدروسهم، قال صلّى اللّه عليه وسلّم: ”كُلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته..”، وهكذا إذا تحمّل كلّ طرف مسؤوليته فسدّ ثغرته، من الوزارة إلى المدرسة إلى البيت، تكون معادلة النّجاح مكتملة من أجل مستقبل أفضل لأبنائنا وقُرّة أعيننا {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}.