ابوظبي: يعيد مركز دراسات الوحدة العربية إصدار سلسلة الأعمال الكاملة للمؤرخ العراقي الدكتور عبد العزيز الدوري، وكتابه "النظم الإسلامية" هو المجلد السادس منها.
يتناول كتاب "النظم الإسلامية" الميادين السياسية والمالية والإدارية في فصول ثلاثة ابتداء بمرحلة الرسالة، فالعصر الراشدي، ثم الأمويّ وانتهاءً بالعصور العباسية.
ويؤكد المؤلف - كما نقلت عنه جريدة "الجريدة" - أن النظم الإسلاميّة لم تنشأ كلها بعد ظهور الإسلام، ولم تنضج في فترات قصيرة، بل ترجع أصول البعض منها، كما يقول الدوري، الى الأنظمة التي كانت سائدة في الشرق الأدنى قبل الإسلام.
ويوضح المؤلف أنّ المبادئ الإسلامية والعبقرية العربية تضافرت على تهذيب هذه الأصول وتكييفها ثم طبعها بطابع إسلامي، كما اضطروا الى وضع أنظمة جديدة تلائم حاجات القوم مثل مؤسسة الخلافة والقضاء. ومع مرور الزّمن اقتضت الأوضاع إنشاء مؤسسات جديدة كالصيرفة والمال فتوسعت وتشعبت بفضل التطور الحضري والفكري وشرع النموّ يأخذ بُعداً لم يسبق له نظير.
وأوجد الرسول صلى الله عليه وسلم مبادئ أنظمة جديدة بعدما أجرى تعديلاً أو تبديلاً لبعض الأنظمة الجاهلية التي كانت ترتكز على مفهوم القبيلة. وكان لكل قبيلة مجلس شورى يتكون من المتنفذين ورؤساء العائلات وهو الذي ينتخب شيخ القبيلة. أما تقاليد مكة السياسية، والتي كان أهلها يسمون "الجماعة" وإنشاؤهم "دار الندوة" شمالي الكعبة للتداول والتشاور، فقد أثرت تأثيراً بالغاً أفاد منه المسلمون في صدر الإسلام، كما أفادوا في ما بعد من الدولة الساسانية التي قامت على السلطة التنفيذية المطلقة وكانت بيد الملك إضافة الى السلطة القضائية.
يشير المؤلف إلى نظام الخلافة وتطوّره في عصر الراشدين ، وينتقل إلى العصر العباسي الذي تطوّر فيه - وفقا للمؤلف - نظام الإدارة واشتركت العناصر الأجنبية في الحكم، فتعاظم نفوذ الأترك الذي أضرّ بنظام الخلافة، وتبعه الدور البويهي الذي نقل وضع الخلافة الى وضع أسوأ. وفي هذا الإطار يستعرض المؤلف نظريات الخلافة انطلاقاً من نظرية أهل السنة، وآراء الخوارج، ونظرية الإمامية.
ويبين الدوري بكتابه - وفقا لنفس المصدر - أن الرسول صلى الله عليه وسلم اتبع سياسةً راعى فيها طريقة خضوع البلاد له بالقوة أو بالصلح، وراعى أهلها عرباً أو غير عرب، وعلى ضوء ذلك اتخذ تدابير خاصة للأراضي التي فتحها عنوة وتقسم الى اثنين: الأراضي غير العربية والأراضي العربية فوضع لها الضريبة أو الخراج المناسب كما فرضَ الجزية على الأراضي التي فتحت صلحاً
واستفاد عمر بن الخطاب لاحقاً في تنظيم الضرائب، في البلاد المفتوحة، من روح الإسلام وتنظيمات الرسول وأبي بكر من جهة، ومن الأوضاع التي كانت سائدة في البلاد المفتوحة. كما أنه اجتهد برأيه واستشار الصحابة، فنتج عن ذلك هيكل التنظيمات المالية الإسلامية الأولى، وتمّ تصنيف الأراضي في خلافته.
غدت الجزية والخراج عماد الخزينة المركزية، لكن الظروف اقتضت بتعديل نظام عمر في العصر الأموي فساروا على مبدأ اللامركزية في الإدارة ووسّعوا سلطة العمال الذين عبثوا بأموال الرعية والدولة. وأطلّ العصر العباسي الأول فأحيوا نظام الريّ القديم ونظموه وحفروا قنوات جديدة ولا سيما في منطقة بغداد لأن مركز الخلافة انتقل الى العراق، وعملوا على تنظيم الضرائب والجزية والصدقات.
أما الدواوين الأموية الرئيسة فهي: ديوان الخراج، ديوان الجند، ديوان الخاتم، ديوان الرسائل، ديوان البريد، ديوان النفقات، ديوان الصدقة، ديوان المستغلات وديوان الطراز.
وورث العباسيّون هذا التراث فطوّروه حسب ظروفهم، وزادوا في المركزية ولا سيما بعد إحداث منصب الوزارة ووسّعوا سلطة الوزير لتشمل الإشراف على جميع الدواوين.