تل أبيب: يطرح كتاب "اقتصاد إسرائيل في عصر العولمة- دلالات إستراتيجية" تأليف بيني لاندا وشموئيل إيفن الصادر عن منشورات "معهد دراسات الأمن القومي" جامعة تل أبيب أسئلة عن العلاقة بين المناعة الوطنية لدولة إسرائيل، وبين الناتج للفرد ومبنى السكان ووتيرة تكاثرهم ومستوى الفقر والتشغيل؟ كيف يمكن تفسير استمرار اتساع الفجوات بين الاقتصاد الإسرائيلي، رغم نموّه السريع في الأعوام القليلة الماضية وبين اقتصاد الدول المتطورة التي تحاول إسرائيل أن تبقى في ركابها؟ هل العولمة ذات فائدة لإسرائيل أم أنها تنطوي على أخطار تهدّدها؟ كيف ستبدو أوضاع إسرائيل الاقتصادية بعد عشرين عامًا من الآن، هل ستبقى في عداد الدول العشرين الأكثر تطورًا في العالم، أم ستتدهور إلى مكانة دول العالم الثالث؟ كيف يمكن رفع إسهام الرأسمال البشري؟ هل في إمكان الاقتصاد الإسرائيلي الاستمرار في مسار النموّ على أساس السياسة الاقتصادية المتبعة حاليًا، أم أن الأمر يتطلب خطوات اقتصادية إضافية في سبيل تحسين احتمالات النمو؟.
وجاء الكتاب - كما ذكرت صحيفة "الاستقلال" الفلسطينية في عددها الصادر اليوم - نتيجة لمناخ الزهو والافتخار السائد في إسرائيل حيال النمو السريع الذي حصل خلال الأعوام القليلة الفائتة، وعبر التغاضي عن الذرى الجديدة التي بلغها نطاق الفقر في الوقت نفسه.
يؤكد المؤلفان على أنّ الأعوام الأربعة الفائتة، التي تحقق فيها نمو اقتصادي في إسرائيل، ينبغي ألاّ تضلل أحدًا بشأن اتجاهات تطوّر الاقتصاد الإسرائيلي، في محور معدّل الناتج للفرد. كما أن الاتساع الاقتصادي بين إسرائيل وبين المجموعة المتصدرة للائحة الدول المتقدمة تتسع ولا تتقلص.
يقول إيفن ولاندا إنه ما من مفرّ أمام الاقتصاد الإسرائيلي إلاّ أن يعدو إلى الأمام بسرعة كبيرة، حتى لا يحقق تخلفا آخر مقابل الدول المتصدرة، والتي لا تثقل كاهلها أعباء كالتي تثقل كاهل إسرائيل: الأمن والمديونية العامة وبالأخص في ضوء واقع أن إسرائيل تعيش "اقتصادين مختلفين"- "اقتصاد متطور وغني، واقتصاد نام وفقير". ويؤكدان أن إسرائيل "متصدرة في اللامساواة في المداخيل" وأن الفجوات الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة في إسرائيل خلقت مجتمعا متقاطبا توجد فيه "حيزات سكانية ناجحة وحيزات سكانية تعاني من فقر تعليمي وانعدام الفرص".
ففي إسرائيل ثمة اقتصاد يعتمد على صناعات المعلومات والتكنولوجيا، وهو اقتصاد يركض إلى الأمام، مفتوح ومتحرك يتمتع بنسبة عالية من التشغيل ومستوى معيشة غربي بكل معنى الكلمة. وثمة إلى جانبه اقتصاد آخر يعتمد على الصناعات التقليدية التي لا تستطيع دفع أجور عالية، كما يفتقر أبناؤه وبناته إلى المهارات الملائمة لطلبات سوق العمل العصرية ولذا فإن نسبة مشاركتهم في قوة العمل متدنية للغاية.
ويلخص لاندا وايفن الاتجاه التاريخي للاقتصاد الإسرائيلي بأنه مقلق جداً على الرغم من بضعة أعوام من النمو. وإن مفتاح الحل يكمن في تحقيق زيادة حثيثة لناتج الفرد في إسرائيل، وهو أمر ضروري وحيوي لجعل إسرائيل دولة قوية ومتطورة في مقدورها أن تحقق غاياتها الوطنية في مجالات السياسة الداخلية والخارجية والأمن.
مع ذلك لا تزال إسرائيل متخلفة عن الدول العشرين الأكثر تطورًا في العالم، من ناحية مؤشرات هامة مثل نسبة المشاركة في قوة العمل ونسبة الذين يعيلهم كل عامل ونسبة البطالة والناتج للعامل الواحد، وجميع ذلك ينعكس على وجود ناتج منخفض نسبيًا للفرد.
يرى المؤلفان أن من الأفضل لإسرائيل أن تنتهز فرصة النمو الحالية لاتخاذ "خطوات جريئة" تسهم في تطورها الاقتصادي- الاجتماعي. وفي رأيهما في وسع إسرائيل أن تحسن على نطاق كبير قوتها الاقتصادية- الاجتماعية إذا ما نجحت في رفع معدّل الناتج للفرد لدى جميع الشرائح السكانية.
لاندا وإيفن غير متفائلين، وعلى حدّ قولهما فإنه من دون حدوث تحول أو انعطافة سوف تتعمق الصراعات والتوترات وسيزداد خطر "الانفجار الاجتماعي".
ويضيفا - وفقا لنفس المصدر -: منذ إقامة إسرائيل تدأب حكوماتها المتعاقبة على تكريس مسلمة صنمية مؤداها أن هناك "رايتين" لإسرائيل لا تستطيع في الظاهر رفعهما معًا في آنٍ واحد. الراية الأولى هي "راية الأمن" والمرتبطة في شكل أساس باستمرار أو حل النزاع الإسرائيلي- العربي- الفلسطيني؛ أما الراية الثانية فهي "راية الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية".
وقد نجم تفضيل الجيش وأجهزة الأمن على باقي أجهزة الدولة عن قدرة رجالات المؤسسة الأمنية على إقناع المواطنين الإسرائيليين بأن الدولة تواجه تهديدات وجودية، وأن المؤسسة الأمنية هي مؤسسة ناجعة ورادعة وقادرة على أن تتصدى بنجاح لهذه التهديدات.
إنّ هذه الحقيقة، إضافة إلى السيطرة المطلقة للمؤسسة الأمنية على التفكير والتخطيط العسكريين، يتيحان لهذه المؤسسة مواصلة التمتع من تخصيص الموارد وفقًا لرغباتها، لا بموجب الاحتياجات الواقعية. وهذا هو أحد العوامل الذي يزيد تدهور الأوضاع الاجتماعية، وفق ما يؤكد هذا الكتاب.