وتعتبر نظرية المعرفة قديمة قدم الفلسفة ذاتها؛ فقد أجاب أفلاطون عن جدلية العلاقة بين الاعتقاد الصادق والمعرفة "بأن المعرفة هي اعتقاد صادق مسوغ له ما يسوغه أو يقوم عليه البرهان والدليل".
وبناءً على ذلك فإن هناك ثلاثة شروط أساسية لا بدّ من توافُّرها للمعرفة؛ الأول: هو أن تكون القضية موضوع المعرفة صادقة (شرط الصدق)، والثاني: هو أن يكون الشخص الذي يدَّعي المعرفة في وضع ذهني إزاء القضية موضوع المعرفة؛ أي يعتقد في هذه القضية ويقبلها (شرط الاعتقاد)، الثالث: أن يملك هذا الشخص أدلة وبراهين تثبت صدق القضية موضوع المعرفة (شرط التسويغ).
كذلك عالج أفلاطون هذا المفهوم في عدة محاورات أهمها "السوفسطائي". وناقشها أرسطو في كتاب "النفس" و "الحس المحسوس"، وظهر موضوع المعرفة بصورة دقيقة في كتاب جون لوك (1632 - 1704م) "مبحث في الفهم الإنساني" ، وبعد ذلك جاء كانط (1724 - 1804م) فحدَّد طبيعة المعرفة وحدودها وعلاقتها بالوجود.
وتدرس نظرية المعرفة عملية البحث في إمكانية الحصول على المعرفة، فتواجه مشكلة الشك في الحقيقة أو التيقن منها، والتفرقة بين "المعرفة الأولية" التي تسبق التجربة وبين المعرفة التي يتم اكتسابها عن طريق التجربة أو ما يطلق عليه "المعرفة البعدية"، وتدرس الشروط التي تجعل الأحكام ممكنة والتي تسوغ وصف الحقيقة بالصدق والمطلق، إن كان هذا ممكنًا، كما تبحث نظرية المعرفة في الأدوات التي تمكّن من العلم بالأشياء، وتحدد مسالك المعرفة ومنابعها.
المعرفة والإبستمولوجيا: يظهر مصطلح "الإبستمولوجيا Epistomologie في اللغة الفرنسية وEpistemology في اللغة الإنجليزية، ويتضح علاقته بنظرية المعرفة عند تحليله لغويًا..فمصطلح Epistemologie في اللغة الفرنسية مشتق من الكلمة اليونانية Episteme التي تعني "العلم" أو "المعرفة العلمية" والمقطع "Logie" الذي يعني في أصله اليوناني (Logos) أي "نظرية"، وبالتالي فإن كلمة "إبستمولوجيا" تعني حرفيًا "نظرية العلم". ويقدم "أندريه لالاند" تعريفاً للإبستمولوجيا يرى فيه أن هذه الكلمة تعني فلسفة العلوم، والتي تعني في أساسها دراسة نقدية لمبادئ العلوم وفروضها ونتائجها بغية تحديد أيها المنطقي (لا النفساني) وقيمتها ومداها الموضوعي.
ويرتبط بمفهوم المعرفة جدلية إمكان المعرفة والمقصود بها ومدى استطاعة الإنسان تحصيل المعرفة "الحقة". ولقد انقسم الفلاسفة بصدد هذه الإشكالية إلى قسمين أساسيين:
1-النزعة التوكيدية اليقينية: التي يذهب أصحابها إلى إثبات قيمة العقل و قدرته على المعرفة و إمكان الوصول إلى اليقين، و بالتالي فإن العلم الإنساني لا يقف عند حد، وظهر هذا الاتجاه في فلسفة العقليين إبان القرنين السابعة عشر و الثامنة عشر.
2-النزعة الشكية: أصحاب هذا الاتجاه ذهبوا للتشكيك في إمكانية تحصيل المعرفة الصحيحة، وإن كان البعض منهم مثل ديكارت و الغزالي اعتبروا الشك منهجا أي خطوة على طريق البحث عن المعرفة الصحيحة.
العقل كأداة للمعرفة: وقد بحث الفلاسفة في المعرفة من حيث أدواتها ومصادرها، واختلفت مذاهبهم في هذه المسألة على النحو التالي:
1- المذهب العقليRationalisme:
يتفق العقليون على أن العقل قوة فطرية في الناس جميعا، وعلى أننا نستطيع عن طريق الاستدلال العقلي المحض، و دون لجوء إلى أية مقدمات تجريبية، أن نتوصل إلى معرفة حقيقية عن طبيعة العالم.
2- المذهب التجريبي:Empirisme
اتخذ المذهب التجريبي في نظرية المعرفة طريقا يخالف طريق المذهب العقلي، إذ أكد التجريبيون أن التجربة أو الخبرة الحسية هي مصدر المعرفة، و أنكروا وجود معارف أو مبادئ عقلية مُسَبقة، وقد جاء على رأس التجريبيين المحدثين "جون لوك"
3- المذهب الحدسي : Intuitionnisme
ذهب برجسون(1859-1941 ) إلى أنه بالإضافة إلى العقل الذي يتوهم أنصاره أنه يقدم لنا المعرفة برمتها توجد ملكة أخرى للمعرفة، وهي من قبيل التجربة الوجدانية، سماها الحدس. ويستخدم مصطلح الحدس بمعان عديدة:
أ- الحدس الحسي:هو الإدراك المباشر عن طريق الحواس، مثل إدراك الروائح المختلفة.
ب- الحدس التجريبي: الإدراك المباشر الناشئ عن الممارسة المستمرة، مثل إدراك الطبيب لداء المريض من مجرد المشاهدة.
ج- الحدس العقلي : الإدراك المباشر دون براهين للمعاني العقلية المجردة التي لا يمكن إجراء تجارب عليها، مثل إدراك الزمان والمكان.
د- الحدس التنبئي: يحدث أحيانا في الاكتشافات العلمية أن تكون نتيجة لمحة تطرأ على ذهن العالم .
4- المذهب البراجماتي:Pragmatisme
تطلق الفلسفة البراجماتية على مجموعة من الفلسفات المتباينة إلى حد ما، والتي ترتكز جميعها على مبدأ مؤداه أن صحة الفكر تعتمد على ما يؤدي إليه من نتائج عملية ناجحة، وكان الفيلسوف الأمريكي "تشارلز ساندرز بيرس" هو أول من استخدم اسم البراجماتية و صاغ هذه الفلسفة