سفير اللغة و الأدب عضو ممتاز
عدد الرسائل : 1085 العمر : 60 نقاط : 6208 تاريخ التسجيل : 29/07/2008
| موضوع: القيمة الدلالية للأصوات الثلاثاء 5 أغسطس 2008 - 17:10 | |
| القيمة الدلالية للأصوات الأصوات وحدات مميّزة تنتج عنها آلاف الكلمات ذات الدّلالات المختلفة. والفونيم كما يعرفه بعضهم بأنه أصغر وحدة صوتية عن طريقها يمكن التفريق بين المعاني. والفونيم نوعان: قطعي Segmental، وفوق قطعي Suprasgmental. ويشمل النوع الأول الصوامت والصوائت، وأما النوع الثاني فيشمل النبرات والأنغام والفواصل… إذن، النوع الأول من الفونيمات يشمل الحروف والحركات، والنوع الثاني يشمل النبر والتنغيم.وتتمثل القيمة الدلالية للصوت في الجوانب الآتية: أ- التبديل: Substitution نعني بالتبديل إحلال صوت مكان صوت آخر بحيث يؤدي ذلك إلى حدوث تغير في دلالة الكلمة. من ذلك قولهم: خضم: الخضم لأكل الرطب. الخاء تدلّ على الرّخاوة. قضم: القضم للصلب اليابس. القاف تدلّ على الشّدّة. فاختاروا الخاء لرخاوتها للرطب، والقاف لصلابتها لليابس، حذواً لمسموع الأصوات على محسوس الأحداث. النضح للماء ونحوه، والنضخ أقوى من النضح، قال الله سبحانه: << فيهما عينان ناضختان >>. فجعلوا الحاء- لرقتها- للماء الضعيف، والخاء- لغلظها- لما هو أقوى منه. الحاء لرقتها جعلت من الفعل نضح يدل على تسرب السائل في تأن وبطء. والخاء لغلظها جعلت من الفعل نضخ يدل على فوران السائل في قوة وعنف. القد طولا. فالطّاء أحصر للصوت وأسرع قطعا له من الدال. الدال المماطلة لما طال من الأثر وهو قطعه طولا. القط عرضا. الطاء المناجزة لقطع العرض لقربه وسرعته. الصوائت الحركات: تلعب هي الأخرى الدّور نفسه الذي تلعبه الصوامت، وأن إبدال الصوائت Apophonie يلعب هو الآخر دوراً مهماً في أداء دلالات مختلفة. فمن ذلك : الذّل في الدابة ضد الصعوبة. بالكسرة للدابة. والذّل للإنسان وهو ضد العز. الضّمة للإنسان، لأن ما يلحق الإنسان أكبر قدراً مما يلحق الدَّابة. فالفونيم هو الذي يوحي بدلالة الكلمة، كما أن هذه الأخيرة هي التي توحي بدلالة الجملة. يؤدّي كلّ صامت دلالة تختلف عن الدّلالة التي يؤدّها صامت آخر. فمثلا: الألفاظ التي تتألف من مادة واحدة وهي الفاء والراء ف. ر) وفونيم ثالث يغير معنى هذه المادة كلما حصل إبدال، ومن هذه الألفاظ: فرز، فرس، فرش، فرص، فرض، فرط، فرع، فرغ، فرق، فرك، فرم، فره، فري، فرت، فرث، فرج، فرح، فرخ، فرد، الخ… وكذلك مادة ق. ط) مع فونيم ثالث، في مثل: قطع، قطف، قطل، قطم، قطن، قطو، قطب.. . الجَمْجَمة: أن يخفي الرجل في صدره شيئاً ولا يبديه. الحَمْحَمة: أن يردد الفرس صوته ولا يصهل. القيمة التعبيرية للحرف الواحد في اللغة العربية: هناك ألفاظ كثيرة في العربية تدلّ على التناسب الصوتي والتقابل الموسيقي في تركيب الكلمات وحروفها، وذلك أوّل دليل تقدمه لنا العربية أنها بنت الفطرة والطبيعة. ب-التنوين Nounation التنوين ظاهرة ذات أثر كبير في علوم العربية كالنحو، والصرف، والعروض، والقراءات. التنوين هو ظاهرة صوتية يلعب دوراً دلالياً فعّالاً. فهو يقوم نحوياً بما نستطيع أن نسميه الاختزال التركيب. أي أنه يأتي بديلاً عن حرف، أو كلمة، أو جملة. فمن الأول ما نلاحظه في الأسماء الممنوعة من الصرف المعتلة الآخر، وذلك في مثل: غواش، وجوار، ودواع، ونواه، وقد جاء التنوين هنا بديلاً عن حرف الياء. ومن أمثلة الثاني: ظهرت نتيجة امتحان الطلبة فبعضٌ ناجحٌ وبعضٌ راسب، أي: فبعض الطلبة ناجح وبعضهم راسب. ومن الثالث ما نجده بعد إذ التي تأتي مضافاً إليه، وذلك في مثل قوله تعالى: << يومئذٍ تحدّث أخبارها >>. كما يقوم التنوين بوظيفة العمل، أي أنه إذا لحق اسم الفاعل مثلاً فإنه يعمل في الاسم الذي يليه بالنصب. ونلاحظ ذلك في قول الكسائي: اجتمعت وأبو يوسف عند هارون الرشيد، فجعل أبو يوسف يذمّ النحو ويقول ما النحو؟ فقلت- وأردت أن أعلمه فضل النحو- ماذا تقول في رجل قال لرجل: أنا قاتلُ غلامِك، وقال آخر: أنا قاتلٌ غلامَك، أيهما كنت تأخذ به. قال: آخذهما جميعاً. فقال له هارون: أخطأت - وكان له علم بالعربية-. فاستحى وقال: كيف ذلك. فقال: الذي يؤخذ بقتل الغلام هو الذي قال أنا قاتل غلامك بالإضافة لأنه فعل ماض. فأما الذي قال أنا قاتل غلامك بلا إضافة فإنه لا يؤخذ لأنه مستقبل لم يكن بعد... التنوين قد أدى دوراً دلالياً هاماً. فالذي قال: أنا قاتل غلامك بالتنوين قد ربط الحدث بالمستقبل ، على العكس من القاتل: أنا قاتل غلامك بالإضافة، فإن فعله قد ارتبط بالماضي فصار الحدث واقعاً. ومن الدلالات التي يؤديها التنوين كذلك: التفريق في بنية الكلمة من حيث التعريف والتنكير. فهو عندما يلحق المبنيات تكون وظيفته التنكير للكلمة الملحق بها. والتنوين في أسماء الأفعال، وأسماء الأصوات مثل: صه، وإيه، وغاق. فحين تسمع شخصاً يتحدث في أمر معين لا يهمك سماعه، فتخاطبه بقولك: صه بسكون الهاء، تريد منه السكوت عن الكلام في هذا الأمر المخصوص الذي يتحدث فيه… أما إذا خاطبته بقولك: صه بالتنوين فيكون مرادك حينئذ طلب السكوت عن الكلام في جميع الموضوعات لا في موضوع معين.
ج-النبر Accent هو إعطاء مزيد من الضغط أو العلو لمقطع من بين مقاطع متتالية. هو وضوح نسبي للصوت أو المقطع، مقارنة ببقية الأصوات والمقاطع في الكلام. هو بذل طاقة معينة عند أداء الصوت أو المقطع من طرف أعضاء النطق. ومن النبر همز الحرف، ولم تكن قريش تهمز في كلامها. ومصطلح النبر تطويل بعض حركات الكلمة وسماه مطل الحركة. حكى الفراء عنهم: أكلت لحماً شاة، فمطل الفتحة فأنشأ عنها ألفا. ومن إشباع الكسرة ومطلها ما جاء عنهم من الصياريف، والمطافيل والجلاعيد. ويقول في موضع آخر: وذلك قولهم عند التذكر مع الفتحة في قمت: قمتا، أي قمت يوم الجمعة، ونحو ذلك، ومع الكسرة: أنتي، أي أنت عاقلة، ونحو ذلك، ومع الضمة: قمتو، في قمت إلى زيد ونحو ذلك. النبر لا يقوم بوظيفة دلالية في العربية الفصحى، سواء أكان ذلك عن طريق الضغط أم المطل أم الإشباع. التنغيم عبارة عن تنويعات صوتية تكسب الكلمات نغمات موسيقية متعددة. هو عبارة عن تتابع النغمات الموسيقية أو الإيقاعات في حدث كلامي معين. هو المصطلح الصوتي الدال على الارتفاع =الصعود) والانخفاض =الهبوط) في درجة الجهر في الكلام. هو رفع الصوت وخفضه في أثناء الكلام، للدلالة على المعاني المختلفة للجملة الواحدة. هو الإطار الصوتي الذي تقال به الجملة في السياق. ولقد فرق بعض اللغويين بين مصطلحين أساسيين هما: النغمة Ton والتنغيم Intonation. فأما النغمة فتكون على مستوى الكلمات المفردة، في مثل: نعم، لا، ولد، الخ… وأما التنغيم فيكون على مستوى الجملة. يتحدث ابن جني في كتابه الخصائص: عن مسوغات حذف الصفة، ويورد في ذلك حديثاً ممتعاً هذا نصه: وقد حذفت الصفة ودلّت الحال عليها . وذلك فيما حكاه صاحب الكتاب من قولهم: سير عليه ليل، وهم يريدون: ليل طويل. موضعها. وذلك أنّك تحسّ في كلام القائل لذلك من التطويح والتطريح والتفخيم والتعظيم ما يقوم مقام قوله: طويل أو نحو ذلك . التنغيم وتعبيرات الوجه التي تصاحب قول القائل تلعب دوراً دلالياً هاماً، إذ تساعد في فهم كثير من القضايا النّحوية. في أسلوب الندبة المندوب مدعو ولذلك ذكر مع فصول النّداء لكنه على سبيل التفجّع ، ولمّا كان مدعواً بحيث لا يسمع أتوا في أوّله با أو وا لمد الصوت، ولما كان يسلك في الندبة أو النّوح مذهب التطريب زادوا الألف آخر للترنّم. حدّث المرزباني عن إبراهيم ابن إسماعيل الكاتب قال: سأل اليزيديُ الكسائيَ بحضرة الرشيد فقال: انظر أفي هذا الشعر عيب؟ وأنشده… لا يكون العيرُ مهراً لا يكون المهرُ مهرُ فقال الكسائي قد أقوى الشاعر. فقال له اليزيدي: انظر فيه. فقال: أقوى، لابد أن ينصب المهر الثاني على أنّه خبر كان. فضرب اليزيدي بقلنسوته الأرض وقال: أنا أبو محمد، الشعر صواب، إنما ابتدأ فقال المهر مهر. إذن، لقد ذهب اليزيدي- بفطنته- إلى أن التنغيم لعب هنا دلالة نحوية كبيرة. فالقراءة السليمة لهذا البيت تكون بتحقيق سكتة على كلمة لا يكون الثانية، مع مط قليل في الصوت، بحيث تكون القراءة كما يلي: لا يكون العبر مهرا لا يكون، ومن ثم فإن لا يكون الثانية جاءت توكيداً لفظياً لما قبلها.
| |
|