الأغذية الغنية بالألياف تقلل نسبة الإصابة بسرطان القولون والمستقيم
بقلم الدكتور علاء عبد الجبار استشاري جراحه القولون والمستقيم
يعتبر سرطان القولون والمستقيم ثاني أسباب الوفيات بالسرطان بعد سرطان الرئة في المجتمعات الغربية. أما في المجتمع العربي فهو أقل انتشاراً ولكن ما يزال من العشرة الأكثر حدوثاً حسب الإحصائيات المسجلة في بلادنا. ويحدث سرطان القولون والمستقيم غالباً في المسنين وهو نادر الحدوث قبل سن الأربعين مع أنهم ليسوا بمأمن منه، وهناك العديد من الحالات المسجلة في مجتمعنا في أعمار صغيرة ما بين العشرين والثلاثين. وبشكل عام، فإن تواتر الحدوث متساو بين الذكور والإناث مع ان ثمة بعض الاختلافات في نسبة توزيع هذا السرطان بين كلا الجنسين، فسرطان المستقيم أكثر حدوثاً عند الذكور بينما يعتبر سرطان القولون أكثر شيوعاً عند الإناث. وينشأ أكثر من 70% من أورام الأمعاء الغليظة في المستقيم والقولون السيني (أي تأخذ شكل حرف S) ويحدث 10% منها في الأعور ويتوزع الباقي في ما تبقى من الأجزاء الأمعاء الغليظة (الشكل رقم 1) وهذه الأورام عديدة البؤر، حيث تشاهد أورام متزامنة في أماكن أخرى في 3% من الحالات كما يحدث ورم إضافي جديد في القولون عند 1% من المرضى خلال كل 5سنوات من المتابعة.سببهويعتقد ان من مسببات سرطان الأمعاء الغليظة حيث يندر حدوثه في أفريقيا والشرق وأمريكا الجنوبية، العوامل البيئية والتي تلعب دوراً مهماً في ذلك، ويعتقد ان الغذاء الذي يفتقر إلى الألياف يترافق مع نسبة تزايد هذا الورم، فالغذاء الغني بالألياف يزيد من سرعة المرور عبر الأمعاء وهذا يعني ان أي مواد مسرطنة موجودة في الطعام أو في الفضلات التي تخرج من الجسم ستكون على تماس مع الغشاء المغطي للأمعاء لفترة أقل، وهو ما يؤكد هذه النظرية ارتفاع نسبة الحدوث في القولون السيني والمستقيم حيث يطول التماس مع المواد المسرطنة.ومن العوامل الأخرى التي تترافق مع سرطان الأمعاء الغليظة، التهاب القولون التقرحي والسلائل الغدومية وداء السليلات العائلي.ومن أهم الملامح السريرية لسرطان القولون هي تغير عادات الاخراج والنزف عبر المستقيم، وتعتمد طبيعة ودرجة هاتين المشكلتين على مكان وجود الورم. فعندما يكون الورم في القولون الأيمن يؤدي إلى فقدان الدم على الرغم من ان المريض قد لا يشعر به، إلى فقر دم وتراجع في الصحة العامة مع فقدان الوزن، وقد يكون هناك ألم وأحياناً ورم محسوس. وعندما يكون الورم في القولون الأيسر يصاب المريض بالامساك وانتفاخ في البطن وألم ماغص كما يحدث غالباً إخراج الدم ومواد مخاطية مع الفضلات. أما سرطان المستقيم فإن نزيف الدم من الشرج هو العرض المهيمن، كما يشعر المريض بالرغبة إلى اخراج الفضلات إلاّ انه لا يستطيع إلاّ اخراج القليل منه حيث يصاحب البراز مخاط مصحوب بدم. كما ان الزحير البرازي (الصعوبة في التبرز) والشعور بعدم القدرة على الافراغ الكامل للمستقيم أعراض شائعة أيضاً، وقد تبقى الصحة العامة بوضع جيد.التشخيصيمكن تشخيص الورم لدى نصف مرضى سرطان القولون والمستقيم عند حضورهم للفحص، وذلك أما عن طريق البطن أو بواسطة الفحص المستقيمي الاصبعي للشرج. وتقع ثلث أورام القولون والمستقيم ضمن مدى الاصبع الفاحص للمستقيم، وبما ان نصف أورام القولون والمستقيم تقع في الجزء الأخير من القولون فإن تنظير القولون السيني يعتبر استقصاء أساسياً عند جميع المرضى الذين يشكون من تغير في عادات الاخراج (التبرز) أو من نزيف مستقيمي شرجي. وتعتبر حقنة (الباريوم) أشعة الصبغة الملونة استقصاء متمماً لتنظير القولون السيني حيث يظهر الورم على شكل نقص امتلاء قصير وغير منتظم مع انتقال فجائي إلى منطقة سليمة. كذلك تؤخذ خزعات (عينات) من جميع الأورام التي تقع بمتناول منظار القولون السيني، أما بقية الأورام فيتم اكتشافها عن طريق منظار القولون الكامل، وتؤخذ منها خزعات بواسطة عمل المنظار عند كون التشخيص موضع شك.وتحدد طريقة العلاج بعدة طرق حيث لا يمكن تقييم قابلية الاستئصال والانتشار داخل البطن بدقة إلاّ بإجراء العملية الجراحية التي تجرى في جميع الحالات ما عدا التي تكون فيها حالة المريض العامة لا تتحمل التخدير العام مع عدم وجود انسداد معوي، وتعتمد طبيعة العمل الجراحي على مكان وجود السرطان. فعند وجوده في الأعور أو القولون الصاعد أو القولون المستعرض يجري استئصال نصف القولون الأيمن، أما الأورام في الجهة اليسرى فتستأصل بإجراء عملية إزالة نصف القولون الأيسر أو القولون السيني مع إزالة أكبر قدر ممكن من العقد اللمفاوية. أما بالنسبة لسرطان القسم العلوي من المستقيم فيمكن علاجه باستئصاله وتوصيل القولون النازل بالجزء السفلي من المستقيم، وتدعى هذه العملية (القطع الأمامي Anterior Resection) ويوضع كيس خارجي (فغر) قولون دان مؤقت في الحالات التي لا تكون فيها تحضير الأمعاء كافياً، أو عندما تكون سلامة التوصيلة موضع شك وذلك للاقلال من احتمال حدوث التسرب من توصيلة العملية. ويعالج سرطان القسم السفلي من المستقيم عادة بعملية جراحية مشتركة بطنية عجانية بشكل يزال فيه المستقيم كاملاً مع القناة الشرجية، وهذا مما يسمى (القطع البطن العجاني Abdomino-Perineal Resection)، يتم بعدها إجراء فغر (كيس) قولون دائم (Permanent colostomy) حيث يسحب القولون الحوضي إلى سطح الجسم خلال فتحة في الجدار البطني. وهناك العلاجات المساعدة الأخرى بالإضافة للجراحة كاستخدام العلاج بالأشعة Radiotherapy والعلاج الكيمياوي في سرطان المستقيم المتقدم وهو من الأمور المثبتة علمياً أنها تقلل من نسبة عودة ورجوع السرطان بإذن الله بعد استئصاله جراحياً.الوقايةأما عن طرق الوقاية من هذا المرض فإنه من المتعارف عليه علمياً ان الاكثار من تناول الأطعمة الغنية بالألياف تقلل من نسبة حدوث أورام القولون والمستقيم بإذن الله، وكذلك فإن الكشف المبكر يساعد على تشخيص ومعرفة المرض في المرحلة قبل ظهور الأعراض (الأولية). ويتلخص هذا الكشف بعمل بعض الطرق المستخدمة لذلك ومنها فحص الدم الخفي في البراز وهو اختبار سهل وكذلك عمل منظار القولون أو أشعة الباريوم (الصبغة الملونة) يجري في العيادة لدى الطبيب العام.وأخيراً هناك بعض النصائح التي أتوجه بها لسرعة التوجه للطبيب في الأحوال التالية: عند حدوث تغير في عادات الاخراج (البراز) عن الطبيعي كالامساك أو الاسهال المتكرر. عند حدوث نزيف شرجي مع البراز متكرر لعدة مرات.مع العلم ان هذه الأمراض إذا تم اكتشافها في مراحلها الأولية فإن نسبة الشفاء بإذن الله تكون مرتفعة.وفي الختام أذكر المرضى بقول المصطفى عليه الصلاة والسلام في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنزل الله من داء، إلاّ وأنزل له شفاء" فلا تيأس من روح الله فإن لكل داء وعليك بالدعاء والتقرب إلى الله عز وجل حتى يمن عليك بفضله ورحمته ويشفيك من مرضك، كما ان هذا المرض إنما هو رحمة من عند الله وفيه أجر وثواب وترفع به الدرجات.