الطب هي مزاولة قديمة قدم الإنسان ذاته حيث ارتبطت في بدايتها بأعمال السحر و الشعوذة و ذلك في العصور القديمة و المجتمعات البدائية حيث مارسها الكهنة و السحرة ثم تقدمت نوعاً ما مع الحضارات القديمة في بلاد الرافدين و مصر (الفراعنة الذين برعوا في تحنيط الأموات) و الهند و الصين (الوخز بالإبر)إلى أن حدثت النقلة النوعية في زمن الإغريق و اليونان و ظهور أبقراط (أحد أشهر الأطباء عبر التاريخ و صاحب القسم المعروف باسمه و المتعلق بأخلاق المهنة) و جالينوس و غيرهم ومع ظهور الحضارة العربية و الإسلامية و تطور الممارسة العلمية التجريبية بدأ الطب يأخذ شكله المعروف اليوم من خلال أعمال علماء و أطباء كبار أمثال ابن سينا (الشيخ الرئيس الذي عرف بأنه أول الباحثين في مجال الطب النفسي و أول من أعطى الدواء عن طريق المحقن و غير ذلك الكثير) و ابن النفيس (مكتشف الدورة الدموية الصغرى) و الزهراوي و غيرهم الكثير ممن ظلت كتبهم و أعمالهم تدرس في مختلف أنحاء العالم حتى القرن السابع عشر مما مهد الطريق أمام التطورات الكبيرة اللاحقة التي حدثت مع ظهور عصر النهضة في أوربا ثم الثورة الصناعية وصولاً إلى الأزمنة الحاضرة و التي أدت إلى تطورات كبرى في كافة العلوم و منها الطب.
ويمكن أن نتصور تاريخ الطب مكونا من خطوط القوّة التي تخلق وتوجه السيل المتدفق من النظريات والمعلومات والتقنيات التي تشكل تاريخ الطب ومن أهمّها :
ـ الارتباط بالإيديولوجيا ...
ـ الارتباط بالتكنولوجيا.
ـ التغير الدائم للمشاكل .
ـ التطور الجدلي للمعارف الصحية.
ـ تصاعد سرعة حركة المعرفة.
ففي المجتمعات البدائية كانت تصوراتهم للطب والصحة هي امتداد لتصوراتهم للعالم، فهذا الأخير كائن حي ومسرح لقوى غيبيّة متعدّدة
تتكون من آلهة وشياطين وأرواح الشر وهي في تعامل دائم مع الإنسان ومن ثمة فإن المرض بتصورهم حينها هو نتيجة ما يلي:
1 ـ غضب الآلهة وعقابها به للكفار أو للمتطاولين على المحرمات.
2 ـ غضب الأجداد المتوفّين لنسيانهم السريع (مع العلم أن تذكّر الموتى في هذه المجتمعات هوبمثابة تخليدهم).
3 ـ عمل السحرة لحسابهم الخاص أو لحساب عدو شخصي.
4 ـ ضياع "الروح "ومفارقتها للجسد إثر تدخل قوة غيبية أو ساحر شرير.
5 ـ تقمّص الأرواح الشريرة للمريض.
6 ـ ضياع التوازن داخل الجسم عادة بدخول برد أو حر مفرطا
-7حسد العين.
ومن هذا التصور العام ينبع العلاج فكان يتم ذلك على أيدي السحرة و المشعوذين من خلال تعاملهم مع الأرواح الشريرة وغيرها من العناصر المسببة للأمراض حسب تصورهم.
و في عصور ما قبل التاريخ (الحضارة الأولى) نرى قدرات التشخيص والعلاج محدودة للغاية حيث لا يتوفّر الطب إلاّ على بعض الحجارات المدبّبة لفتح الجمجمة ، أما إبّان الفترة التي شكلت فيها الزراعة الفتح التكنولوجي (الحضارة الثانية) فإننا سنرى الطب يستعمل كلّ إمكانيات هذه الحضارة من آلات بسيطة كالمقصّ والمشرط الخ ... وخاصّة الأعشاب في المداواة. لكن التقدّم المتسارع في الاكتشافات التكنولوجي الذي صاحب ظهوره الصناعة (الحضارة الثالثة) هو الذي كان وراء التقدّم المتسارع في الطب.
وهكذا وصولا الى مرحلة بارزة في تاريخ الطب وهي العهد العربي الإسلامي وما قدمه من إسهامات في هذا المجال......