وعلامةُ جَزْمِهِ السكونُ . مثل قوله تعالى " لَمْ يَلِدْ ولمْ يُولَدْ " .
هذا ويُعربُ المضارعُ بالضمةِ رفعاً وبالفتحةِ نَصْباً وبالسكونِ جَزْماً ، إن كان آخِرُهُ صحيحاً ، ولم يتصلْ شيءُ بآخره.
فإنْ كانَ مُعْتَلَّ الآخِرِ ، غَيْرَ مُتّصِّلٍ بآخرِهِ شيءٌ ، جُزِمَ بحذفِ آخِرِهِ . مثل : لم يَسْعَ ، لم يَرمِ ، لم يَدْنِ .
وتكونُ علامةُ جزمِهِ حَذِفَ الآخِرِ – حرفِ العلةِ – وإذا اتصلَ بآخرِهِ : ضميرُ التثنيةِ – ألف الاثنين – أو واو الجماعةِ ، أو ياءُ المخاطبةِ . فهو مُعْرَبٌ بثبوتِ النونِ في الرفعِ ، وبِحَذْفِ النونِ في النصبِ والجزمِ .
مثال الرفع : البنتان تنتظران السيارة .
مثال النصب : المهاجرون لن ينسوا وطنهم .
مثال الجزم : المزارعون لم يجنوا ثمر الزيتون بَعْدُ .
وإن اتصلتْ به نونُ التوكيدِ الثقيلةُ أو الخفيفةُ ، بُنيّ على الفتحِ . مثل : لتقومَنّ – لتقومَنْ بواجبك !
وإنْ اتصلت به نون النسوةِ ، بُنِيَ على السكونِ ، مثل : المهندساتُ يُتابِعْنَ تنفيذَ المشروع . ويكونُ رَفْعُهُ ونَصْبُهُ وجَزْمُهُ مع نوني التوكيدِ ونونِ النسوةِ محلياً .
فإنْ لم يتصلْ آخرُ المضارِعِ بنونِ التوكيدِ مُباشرةً ، بَلْ فُصِلَ بَيْنَهما بضمير التثنيةِ أو واوِ الجماعةِ أو ياءِ
المخاطبةِ، لم يكنْ مبنياً ، بل مُعْرَباً بالنونِ رفعاً ، وبِحَذْفِها نصباً وجزماً . مثل : لتنجحان أيها المجتهدان .
فأصل الفعل : تنجحان + نّ ، حيث اجتمعت ثلاث نونات ، نون الفعل التي هي علامةُ الإعرابِ في الأفعالِ الخمسة، ونونُ التوكيدِ الثقيلةُ المشددةٌ ، فَحُذِفَتْ النونُ الأولى ، حتى لا تجتمعُ ثلاثُ نونات ، وإعرابه :
فعل مضارع مرفوع ، بالنون المحذوفة لالتقاء الأمثال ، والألف : ضمير مبني على السكون في محل رفع فاعل .
والنون المشددة ( نّ ) حرف مبني على الفتح ، لا محل لها .
ومثل : لتنجَحُنّ أيها المجتهدون .
أصل الفعل تنجحون + نّ ، توالت ثلاث نونات ، كالسابق ، فحذفت النون الأولى . نون الفعل . فصار تنجحونّ : فالتقى ساكنان ، الواو والنون الأولى الساكنة من المشددة .
فَحُذف الساكن الأول (الأولِ) . ويعرب :
فعل مضارع مرفوع ، علامته ثبوت النون المحذوفة ، والواو المحذوفة ضمير في محل رفع فاعل .
والنون : حرف مبني لا محل له .
ومثل : لتنجَحِنَّ أيتها المجتهدةَ .
أصل الفعل : تنجحينَ + نّ . توالت ثلاث نونات ، فحذفت الأولى ، فصار تنجحينّ . فالتقت ساكنان ، ياء المخاطبة والنون الأولى من المشددة . فحذفت الياء ، ودلت عليها الكسرة .
تنجحينّ : فعل مضارع ، مرفوع بنون محذوفة ، والياء المحذوفة في محل رفع فاعل .
نّ : حرف مبني على الفتح لا محل له .
المُضارِعُ المنصوبُ
يُنْصَبُ المضارِعُ ، إذا سبَقَهُ أحَدُ الحروفِ الناصبةِ ، وهي : أنْ ، لَنْ ، إذنْ ، وكَيْ .
أنْ : وهي حرفُ مَصْدَرِيَّةٍ ، ونصبٍ واستقبالٍ ، مثل : طُلِبَ إلى الموظف أن يستقيلَ .
وسُميت أنْ مصدريةً ، لأنها تَتَشَكَّلُ مَعَ ما بَعْدها على هَيئةِ مَصْدَرٍ ، ففي الجملةِ السابقةِ تُؤَوَّلُ أنْ والفعلُ بَعْدَها على شكلِ مصدرٍ هو : الاستقالةُ وسُميتْ حرفَ نَصْبٍ ، لأنها تَنْصُبُ الفعلَ المضارِعَ بَعدَها . وسُميت حَرْفَ استقبالٍ لأنها وبقيةُ حروفِ النصبِ تَجْعَلُ معنى المضارِعِ دالاً على الاستقبالِ . دونَ الدلالةِ على الحالِ – الوقتِ الحاضرِ – .
لَنْ : وهي حرفُ نَفْيٍ ونَصْبٍ واستقبالٍ ، نقولُ : لَنْ أُشارِكَ في المؤتَمرِ .
إذنْ : وهي حرفُ جوابٍ ونَصْبِ واستقبال . تقولُ جواباً لمن قال :
سأَبذُلُ جهدي في إقناعِهِ بالأَمْرِ . إذنْ تَنْجَحَ .
ويُشْتَرَطُ فيها كي تَنْصُبُ المضارِعُ ، ما يلي :
أ. أن تَقَعَ في صَدْرِ – بدايةِ – الكلامِ ، مثلِ الجملةِ السابقةِ .
ب. أنْ تَدُلََّ على الزمَنِ المستقبلِ ، لا على الزمنِ الحالي – الحاضرِ – مثلُ إجابَتِكَ لمن قالَ : سآتي غداً لزيارتِكَ ، إذنْ أُرَحِب بِكَ !
ج-. أنْ تَتَصِلَ بالفعلِ ، دونَ وجودِ فاصلٍ بينَهما ، فإنْ فُصِلَ بينها وبيْنَ الفِعْلِ فاصلٌ ، أُلغِيَ عَمَلُها .
وقد اغتفروا أن يكونَ الفاصِلُ القَسَمَ أو لا النافيةَ .
تجيبُ منَ يقُولُ : سأجتنبَ رفاقَ السوءِ ، بقولِكَ إذنْ – والله – تُفْلِحَ ، إذنْ لا تَخْسَرَ .
كي : وهي حَرْفُ مَصْدَريَّةٍ ونَصْبِ واستقبالٍ . وهي تُشْبِهُ (أنْ) من حيثُ أنها تجعلُ ما بعدها في تأويلِ مَصْدَرٍ . ففي قولِنا : حَضَرْتُ كي أساعِدَك = حضرتُ لمساعَدَتِكَ . ويكونُ المصدرُ مجروراً باللامِ المقدرةِ .
نَصْبُ المضارِعِ بِأنْ المُضْمَرَةِ
مِثلما يُنْصَبُ المضارعُ بأنْ الظاهرةِ في مثل قولِنا : أطْمَحُ أنْ أُحَقِقَ آمالي . فإنّه يُنصَبُ بأنْ المضمَرة – غير الظاهِرَةِ – في مثل قولنا : قابَلْتُه لأوضِحَ له خطأهُ = قابَلْتُه لأن أوضِحَ له خطأه .
وتُضْمَرُ أنْ جوازاً – أي يُجوزُ ذِكْرُها ، وعَدَمُ ذِكْرِها - . كما أنّها تُضْمَرُ وجوباً – لا يجوز ذِكْرُها أو إظهارُها –
إضمارُ أنْ جوازاً : تضمر أنْ جوازاً أو تذكر صراحةً ، بَعْدَ سِتَةِ حروفٍ هي :
1. لامُ كي – والتي تُسمى لامَ التعليل – وهي لامُ الجَرِّ التي يكونُ ما بعدها سَبَباً في حدوث ما قَبْلها . مثل: "وأنزلنا إليك الذِكْرَ لتُبيِّنَ للناسِ" أي لأجلِ أن تُبَيِّنَ للناسِ . ومثل : هاتَفْتُكَ لِتَطْمَئِنَّ .
ومثل : حضرتُ لأستفيدَ ، أو لأن أستفيدَ .
2. لامُ العاقِبَةِ ، وهي اللامُ الجارَّةُ ، التي يكونُ ما قَبْلَها نتيجةً وعاقبةً ومصيراً ، لما قبلها وليسً سبباً في حصولِهِ ، ويُسميها بَعْضُهم لامَ الصيرورةِ – أي ما صارَ إليه الحالُ . أو لامَ المآل – أي ما آلَ إليه الأمرُ . ويمثلون لها بالآيةِ الكريمةِ المتعَلِقَةٍ بِعُثورِ قومِ فرعونَ ، على سيدنا موسى عليهِ السلامُ . "فالتَقَطَهُ آلُ فِرْعونَ ليكونَ لهم عَدواً وَحَزناً" قال فرعون لم يلتقطوا موسى عليه السلامُ ليكون لهم عدواً وحِزناً . ولكن العاقبةَ والمآلَ والمصيرَ الذي انتهي إليه التقاطُهم له ، أنّه صارَ كذلك . ومثل : ربى الوالدان ابنهما ليعقهما عند الكبر .
3. بَعْد أحدِ هذه الحروفِ العاطفةِ (الواو والفاء وثم وأو) عندما تَعْطِفُ الفِعْلَ المضارعَ علىالاسمِ الجامِدَ . وإنما يُنْصَبُ الفعلُ المضارعُ بعد هذه الحروفِ بأنْ مضمرةٍ لسببٍ منطقيٍّ ، ليتسنى لنا أنْ نوُجِدَ بواسطتها مَصْدراً نستطيعُ عَطْفَهُ على الاسمِ الجامِدِ – المصدر – لأن الفعل لا يجوز أن يُعْطَفَ على الاسمِ الخالِصِ ، بلْ يُعْطَفُ على فِعْلٍ مِثلِهِ .
نَصْبُ المضارِعِ بِأنْ المُضْمَرَةِ
مثالُ إضمارها بعدَ (الواو) : يأبى التاجرُ الأمينُ الغِشّ ويَرْبَحَ . والتقدير وأنْ يَرْبَحَ . أي يأبى الرِّبحَ والغِشَّ.
ومنهُ قولُ ميسونَ بنتِ بَحْدَلَ .
ولِبْسُ عَباءةٍ وتَقَرَّ عَيني أَحَبُّ إليَّ من لِبْسِ الشّفوفِ = ولبس عباءة وأن تَقَرَّ عيني
(والشفوف : اللباس يشف عما تحته) ، أي لبسُ عباءةٍ وقُرَّةُ عيني !
ومثالُ (الفاء) : شقاؤك فَتَسْتَريحَ ، خيرٌ من كَسَلِكَ فَتَتْعبَ . = أن تشقى (شقاؤك) وأن تستريح ، خير من كسلك وأن تتعب .
ومثال (ثمَّ) لا يَقْبَلْ الكريمُ الجُبْنَ ثم يَسْلَمَ = لا يَقْبَلُ الجُبْنَ والسّلامَةَ = لا يقْبَلُ الكريمُ الجبن ثم أن يَسْلَمَ .
ومثال : (أو) : يرضى عَدّوُّكَ نزوحكَ أو تُسْجَنَ = نزوحك أو سَجْنَك = يرضى عَدّوُكَ نزوحكَ أو أن تُسْجَنَ.
(فأنْ) في جميع الأمثلة المتقدمة مُقدَّرةٌ قبْلَ الفعلِ المضارِعِ ، والفِعْلُ منصوبٌ بها ، وهو مُؤَوَّلٌ بمصدرٍ معطوفٍ على الاسمِ قبلَه .
نَصْبُ المضارِعِ بِأنْ المُضْمَرَةِ
إضمارُ (أنْ) وجوباً
تُقَدَّرُ أنْ وجوباً بعد خَمْسَةِ حُروفٍ هي :
1. بعدَ لامِ الحجودِ ، وهي لامُ الجرِّ المسبوقةُ بكونٍ (أحدِ مشتقاتِ كانَ) مَنْفيٌّ ، مثل قولهِ تعالى "ما كانَ اللهُ ليظلِمَهم" وقولِهِ "لمْ يكنْ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُم" . ومثل قولنا : لم تَكُنْ لِتَكْذِبَ ، وهيَ أبلغُ من قولِنا : لم تَكُنْ تَكْذِبُ ، لأنَّ الفعلَ المنصوبَ بَعْدَ أنْ المُضْمَرة مُؤَوّلٌُ بمصدرٍ مجرورٍ ، والتقديرُ لمْ تَكُنْ مُريداً الكَذِبَ . لأنّ نفي إرادةِ الكَذِبِ أبلغُ من نفْيِ الكذبِ ذاته .
2. بعدَ فاءِ السَبَبيّة : وهي التي تُفيدُ أنَّ ما قبْلَها سَبَبٌ لما بَعْدَها ، وأنّ ما بَعْدَها مُسَبّبٌ عما قبلَها . ويُشترطُ أنْ تُسْبَقَ بنفيٍ أو طلبٍ .
فأما النَفْيُّ ، فمثلُ قَوْلِكَ : لمْ تحضرْ فَتَسْتَفيدَ .
ومثل : جارُكَ غَيْرُ مُقَصِّرِ فَتَلومَهُ .
ومثل : لَيْسَ المُجْرِمُ نادماً فتعفوَ عَنْهُ .
إذ لا فرقَ أن يكونَ النفيُّ بالفِعْلِ أو بالاسمِ أو بالحرفِ . كما في الجمل الثلاث السابقة .
أما الطَّلبُ فَيَشْتَملُ الأمرَ ، مثل ُ : اسكتْ فَتسلَمَ أوْ لِتَسْكُتَ فَتَسْلَمَ .
ويَشْتَملُ العَرْضُ ، مثل : ألا تُرافِقُنا فَتَسْتَمْتِعَ .
كما يشملُ الحَضَّ : مثل : هلاّ عَمِلْتَ الخيرَ فَتُؤْجَرَ .
ويشملُ التمنيّ ، مثل : لَيْتَكَ حَضَرْتَ فَتُسَرَّ .
ويشملُ التّرجيَ ، مثل : لَعَلّكَ عائِدٌ فأستضيفَكَ .
ويشملُ الاستفهام ، مثل : هل أنت منتبه فأُخاطِبَكَ .
ويكونُ المضارِعُ المنصوبُ بأنْ مُضْمَرَةً بَعْدَ فاءِ السَّبَبَيِّةِ مُؤَولاً بِمَصْدَرٍ مَعطوفٍ على مصدرٍ مُنتَزَعٍ من الفِعْلِ قَبْلَها . ففي : اسْكُتْ فَتَسْلَمَ : ليكن منكَ سكوتٌ فسلامةٌ .