تطـور الشعر الموضوعي ( الملحمي , المسرحـي , القصـصـي ) وخصائصـه
تمهيد : الفنون الشعرية مردها إلى الشعر الغنائي أو الوجداني ويقابله الشعر الموضوعي الذي تتدرج تحته الفنون الآتية ) الشعر التعليمي , والشعر الملحمي , والشعر المسرحي , والشعر القصصي (
ـ تطور الشعر الملحمي وخصائصه : الملحمة رواية شعرية طويلة , تدور حول البطولات والمواقف العظيمة في جو من الخوارق , تهدف إلى غاية قومية أو إنسانية , والشاعر شاهد لما يروى , ومن ثم فهي موضوعية لا ذاتية , لكنها من صنع الخيال , الذي يخلق فيها عالما فوق العالم العادي الذي لا يُشاد إلا بالشعر , كما أن موضوعها يتناول الحروب بين أمة وأمة . وإن أمة خالية من الملحمة هي أمة بلا روح ولا مثل عليا و لا تاريخ لأن الملحمة سجل لأخلاق الأمة , وعقائدها الدينية , وهي حافلة بالنزعة الإنسانية لأنها تتغنى بكل ما هو جليل وشريف
ـ تطور الشعر الملحمي في الشعر العربي : الشعر الملحمي من الفنون المستحدثة في الأدب العربي , ومع ذلك فقد حوى الشعر القديم عناصر ملحمية تمثلت في وصف الحروب والمعارك , كمفاخرة عنترة , وأبي فراس الحمداني , والمتنبي , لكنها لم تكن أعمالا ملحمية تامة وإنما غلبت عليها النزعة الذاتية . وفي بداية العصر الحديث نقل سليمان البستاني ) 1856 ـ 1925 ( إلياذة هوميروس شعرا إلى اللغة العربية , وحاول بعض الشعراء أن يكتب ملاحم في الشعر العربي فألف شفيق المعلوف ملحمة بعنوان [ عبقر ] ونظم محمد توفيق ملحمة سماها [ المعلقة الإسلامية ] وكتب فوزي المعلوف على [بساط الريح ], وأحمد محرم [ الإلياذة الإسلامية ] وكان أحمد شوقي قبل هؤلاء قد نظم قصيدة مطولة تضم 264 بيتا تحت عنوان [ كبريات حوادث وادي النيل ] تناول فيها تاريخ مصر ابتداء من عهد الفراعنة إلى العصر الحديث , وفي الجزائر ألف الشاعر مفدي زكريا [ إلياذة الجزائر ] تعرض فيها إلى تاريخ الجزائر عن طريق ذكر أمجادها , من قبل الفتح الإسلامي إلى ما بعد الاستقلال . منها هذه الأبيات , التي يتكلم فيها عن الفاتح من نوفمبر 1954 اليوم الذي انفجرت فيه ثورة التحرير الجزائرية في وجه المحتل الغاشم الفرنسي :
نفمبر جل جلالك فينـــــــــــــــــا ألست الذي بث فينا اليقينا ؟
سبحنا على لجج من دمانـــــــــا وللنصر رحنا نسوق السفينا
وثرنا نفجـــر نـــارا ونــــــــــــــورا ونصنـــــع من صلبنا الثائرينا
ونلهــــم ثورتنــــا مبتغـــــــــــانا فتلهــم ثورتنــــا العالمينـــا
ـ خصائص الشعر الملحمي : هناك صنفان من الملاحم (1 الملاحم اليونانية والملاحم الغربية القديمة (2 الملاحم العربية المستحدثة
ـ أما الملاحم اليونانية والغربية القديمة فتمتزج فيها الأسطورة مع الحقيقة , ويقوم بصناعة أحداثها أبطال خرافيون يتصفون بقدرات لا يتوفر عليها البشر وبأمزجة بدائية سريعة التحول ـ أما الملاحم العربية المستحدثة فتتناول صفحات من تاريخ الأمة العربية الإسلامية , مقتصرة على الشخصيات التي كان لها أثر في هذه الأحداث , فمفدي زكريا مثلا لم يتناول سوى حقائق تاريخية معروفة , ولم تتضمن شيئا من الخوارق والمخلوقات الخرافية
وإذا كان الجانب الموضوعي هو الغالب في الملاحم الغربية القديمة , حيث لا نكاد نحس بشخصية الشاعر فيها , فإنك حين تقرأ الملاحم العربية تحس بأن الشاعر هو الذي يتحدث إليك ويعبر عن إحساسه وآرائه .
ـ أنواعها : الملحمة نوعان : طبيعية ومصطنعة .
الملحمة الطبيعية ) الفطرية ( فهي التي نشأت في مخيلة شعب بدائي , ورددت أحداثها الألسنة , ثم جاء شاعر فجمع الأحداث وربط بعضها ببعض ووحد الهدف ثم أخرج من كل ذلك أثرا فنيا كما كانت الحال في [ الإلياذة والأوديسة ] لهوميروس .
الملحمة المصطنعة أو ) العلمية ( فهي من فيض قريحة شاعر نشأ في عصر تقدم وتفكير وحضارة , فتناول موضوعا تاريخيا , وأرسل فيه الشاعر خياله فأخرج منه قصة شعرية طويلة حافلة بالخوارق وعظيم الأعمال , ومنه [ إلياذة ] فرجيل الشاعر اللاتيني و [ إلياذة ] فولتير الفرنسي
ـ تطور الشعر المسرحي : الشعر المسرحي هو تعبير فني عن حادث من حوادث الحياة البشرية , والمؤلف فيه يتوارى عن الأنظار , ويجعل أمامها مشهد حياة , يظهر فيه الأشخاص بأفعالهم وأخلاقهم , وموضوعات هذا الفن إما تاريخية , أو أسطورية أو تحليلية .
ـ تطور الشعر المسرحي في الأدب العربي : لم يعرف العرب قديما الشعر المسرحي , مع أنهم احتكوا بثقافة اليونان , كالمنطق والفلسفة والرياضيات لأن أدب اليونان ذو طابع وثني يتعارض مع العقيدة الإسلامية , ولم يظهر الفن المسرحي إلا في القرن التاسع عشر , من ذلك ما قام به الشيخ خليل اليازجي ) ت 1870 ( في مسرحية ) المروءة والوفاء ( لكنها كانت محاولة أولية ناقصة , وبقي الأمر كذلك حتى جاء أحمد شوقي ) 1886 ـ 1932 ( الذي كانت صلته بالأدب الفرنسي وطيدة بسبب وجوده في فرنسا للدراسة , فتأثر بالمسرح التقليدي الكلاسيكي في استمداد الموضوعات من التاريخ القديم , واختيار الأبطال من علية القوم , وتوظيف اللغة الراقية , كتب شوقي بعد عودته من فرنسا مسرحياته ) عنترة , مجنون ليلى , قنبيز , كليوبترا , علي بك الكبير , الست هدى ( وهي خمس مسرحيات درامية , وملهاة واحدة , وقد استقى مادتها من التاريخ الفرعوني والعربي والمجتمع المصري في عصره . وهذا نموذج من شعره المسرحي , من مسرحية مصرع كليوبترة :
كليوبترة : وهل يطفا اللون ؟
أنوبيس : .......................... لا بل يضيء كمــا رف بعـد القطـاف الزهـــر
كليوبترة : وما عضة الناب ؟
أنوبيس : ......................... وخْز أخفْ وأهـون مـن وخـزات الإبــــر
وبعد شوقي كتب عزيز أباظة [ غروب الشمس , شهريار , والعباسة أخت الرشيد , الناصر , قيس ولبنى ] ويرى بعض النقاد أن مسرحيات عزيز أباظة أقوى من الناحية الفنية من مسرحيات أحمد شوقي , ثم كتب صلاح عبد الصبور [ مأساة الحلاج , الأميرة تنتظر ] عالج فيها مشكلات فلسفية واجتماعية . غير أن الشعر المسرحي ما يزال قليلا في الأدب العربي بالنسبة للشعر الغنائي .
ـ خصائص الشعر المسرحي : الشعر المسرحي يكتب ليمثل ويعرض على جمهور المتفرجين , والنصوص التي تعد للتمثيل تعتمد كلها على الحوار أما الحركات التي يقوم بها الممثلون فلا يشار إليها في النص المسرحي , لذا فإن عناصر المسرحية هي :
التمهيد : يحتوي على عرض الأشخاص , والموضوع , والزمان , والمكان , بإيجاز دون إزالة للمجهول المنتظر عن طريق الحوار.
العقدة : هي العنصر الأساسي في بناء الحبكة الفنية , وهي تنطوي على اشتباك المصالح , وعلى ظهور المفاجآت , مما يبعث الشك والقلق عند النظارة فيتطلعون إلى النتيجة الحاسمة .
الحل : هو النتيجة التي تصل إليها أحداث المسرحية , فتنحل العقدة , ويتضح مصير البارزين من أبطال المسرحية ,ويكون مفجعا في المأساة سعيدا في الملهاة , وينصح النقاد بأن يكون الحل متفقا مع مشاعر الجمهور .
ـ تطور الشعر القصصي وخصائصه : الشعر العربي القديم يهتم بإبراز عواطف الشعراء الذاتية وتحديد مواقفهم من الحياة , وقلما يلتفت إلى غير ذلك وهو ما جعل الشعر القصصي قليلا , وما وجد فهو عبارة عن بذور العناصر القصصية , مثلما هو الأمر في قصيدة [ كرم ] للحطيئة , التي أبرز فيها مدى حرص العربي على إكرام الضيف . وهذه أبيات من تلك القصيدة :
رأى شبحا وسْط الظلام فراعـــه فلما رأى ضيفا تشمر واهتما
فقال : هَيَا رباه ضيف و لا قـــرًى بحقك لا تحرمه تا الليلة اللحما
فقال ابنه لما رآه بِحَيْـــــــــــــرَةٍ: أيا أبتِ اذبحني ويسر له طُعما
و لا تعتذر بالعُدْمِ عَلَّ الذي طـرا يظن لنا مالا فيوسعنا ذما
فَرَوَّى قليلا , ثم أحجم برهــــة وإنْ هو لم يذبح فتاه فقد هما
ونظم أبان اللاحقي لقصص كليلة ودمنة التي عربها ابن المقفع .
ـ أما في العصر الحديث فقد لجأ كثير من الشعراء إلى القصة أو الأقصوصة الشعرية , وعلى رأسهم المجددون في الشعر , وقد أعانهم الأسلوب القصصي على تحقيق مبادئهم في مراعاة الوحدة العضوية في الشعر , وكان المحافظون قبلهم قد حاولوا الكتابة في القصة , كما فعل شوقي في شعره التعليمي التربوي وكذلك معروف الرصافي , الذي اهتم بوصف الفقراء والمستضعفين في المجتمع فجاءت قصائده في كل قصص مؤثرة , يقول في قصيدة " أم اليتيم " :
فقال لها لمـــا رآنــــي واقفــــــــــــا أردد فيـــه نظـــرة المتوســــــــم
سلي ذا الفتى يا أم : أيـن مضى أبي ؟ وهل هو يأتينا مساء بمطعــــــــم ؟
فقالت له والعين تجري غروبـــــــــــها وأنفاسها يقذفن شعلة مضــــــرم
أبوك ترامت فيه سفــــــــــرة راحــــل إلى الموت لا يُرجى له اليوم مقدم
ولولاك لاخترت الحمام تخلصــــــــــــا بنفسي من أتعاب عيش مذمم
أما المجددون فقد أحسنوا استغلالها , وخاصة بعد أن عرفوا القصة الغربية بخصائصها الفنية , فكتب أبوماضي وخليل مطران مجموعة من القصص الشعرية , ثم شاعت بعد ذلك في دواوين المتأخرين .
ـ خصائص الشعر لقصصي : الشعر القصصي قصة تقدم شعرا , ويتسم هذا النوع من الشعر بتوافره على العناصر الفنية الأساسية للقصة وهي :
(1 ) السرد : ويشتمل على تقديم أحداث القصة
(2 ) الوصف القصصي : ويحتوي إبراز سمات أشخاص القصة وبيئتهم
(3 ) الحوار وهو ما يجري على ألسنة أشخاص القصة من حديث .
واستخدام هذه العناصر يتطلب التنويع في أدوات التعبير , مثل الاستفهام , والتعجب , والتوكيد , والنفي , وغيرها ....
الموضــــــــــــــــوع منقول من احد المنتديات