كيفية استقبال المسلم لشهر رمضان
إن المؤمن الحق كما أراده الله سبحانه وتعالي أن يكون كالجبل
رسوخاً وكالصخرة صلابة وكالشمس ضياءاً وكالبركان تدفقاً وكالبحر عمقاً وكالسماء صفاءاً وكالماء
عذوبة وكالعذراء حياءاً وكالطفل وداعة، لقد كان الصيام من أجل انتصار الإنسان علي نفسه كي
يقودها نحو سعادتها الأبدية فقد ركب الملك من عقل بلا شهوة وركب الحيوان من شهوة بلا عقل
وركب الإنسان من كليهما فإن سما عقله علي شهوته أصبح فوق الملائكة وإن طفت شهوته
علي عقله أصبح دون الحيوان. إن شهر القرآن جدير به أن يكون شهراً كريماً عظيماً وجدير بمن
عرف قدره أن يصوم نهاره ويقوم ليله وأن يكثر فيه من قراءة القرآن الكريم وأن يكون المسلم كريماً
سخياً كما كان النبي صلي الله عليه وسلم كان أجود ما يكون في رمضان، وذلك شكراً لله علي
آلائه ونعمه العظيمة لأن ما وهبه الله لنا من خير في هذا الشهر لا يقدر. فرض صيام هذا الشهر
وسن قيامه وكافأنا الله سبحانه علي صيامه بمكافآت شتي منها أن يغفر للمسلم ما كان منه
من ذنب للحديث (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) وفي هذا الشهر
يتوالي المدد ويتواصل العون من الله لكل من لجأ إليه طالباً مرضاته لحديث (إذا جاء رمضان فتحت
أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين). فرمضان يجب أن يكون وقفة للحساب علي ما
مضي ونقطة انطلاق لما يأتي، فلابد أن نضبط ألسنتنا، فننزهها عن الغيبة والنميمة وقول الزور
ولابد لنا أن نغض أبصارنا عن محارم الله وأن نضبط شهواتنا غير المشروعة ولابد لنا أن نتحري
الحلال خوفاً من أن يرد علينا صيامنا، لابد لنا أن نبتعد عن المجالس التي لا ترضي الله إكراماً لهذا
الشهر حتي نتعود علي تركها علي الدوام. لابد أن نتوب ونستغفر لأن هذا الشهر شهر التوبة
والغفران إن أبواب التوبة والرحمة مفتوحة علي مصراعيها ألا من تائب فأتوب عليه.. وهكذا. أيها
المسلم الكريم إن الله أفرح بتوبة التائب من الظمآن الوارد ومن العقيم الوالد، ومن الضال الواجد
فمن تاب إلى الله توبة نصوحا أنسى الله حافظيه وجوارحه وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه، كيف لا
والحق جل وعلا يقول فى الحديث القدسى الذى رواه البهيقى عن أبى الدرداء: "أهل ذكرى، أهل
موتى، أهل شكري، أهل زيادتى، أهل معصيتى لا أقنطهم من رحمتى إن تابوا فأنا حبيبهم وإن
لم يتوبوا فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب". ومع أن رمضان شهر
العمل الصالح والقربات لكن هذا لا يعنى أن فرص العمل الصالح قاصرة عليه بل أن ابواب الخير
مفتحة فى كل الشهور ومسالك القرب نافذة فى كل الأوقات، فالعمل الصالح قوام حياة النفس كما
أن الطعام قوام الحياة للجسد والفقر فى حقيقته فقر العمل الصالح والغنى فى جوهره وفرة العمل
الصالح والإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه يقول: الغنى والفقر بعد العرض على الله.