اللغة ميزة الإنسان
روني ديكارت
... ثم إنه يمكن أيضا معرفة الفرق بين الإنسان والحيوان ، إذ من الملاحظ أنه ليس في الناس ، ولا أستثني البلهاء منهم ، من هم من الغباوة و البلادة بحيث يعجزون عن ترتيب الألفاظ المختلفة بعضها مع بعض ، وعن تأليف كلام منها يعبرون به عن أفكارهم ، في حين أنه لا يوجد حيوان يستطيع أن يفعل ذلك مهما يكن كاملا، وظروف نشأته مؤاتية. وهذا لا ينشأ عن نقص في أعضاء الحيوانات ، لأنك تجد العقعق والببغاء يستطيعان أن ينطقا ببعض الألفاظ مثلنا، ولكنك لا تجدهما قادرين مثلنا على الكلام ، أعني كلاما يشهد بأنهما يعيان ما يقولان ، في حين أن الناس الذين ولدوا صما بكما، وحرموا الأعضاء التي يستخدمها غيرهم للكلام ، كحرمان الحيوانات أو أكثر، قد اعتادوا أن يخترعوا من تلقاء أنفسهم إشارات يفهمها من يجد الفرصة الكافية لتعلم لغتهم، لوجوده باستمرار معهم . وهذا لا يدل على أن الحيوان أقل عقلا من الإنسان فحسب ، بل يدل على أنه لا عقل له البتة، لأنّنا نرى أن معرفة الكلام لا تستلزم إلا القليل من العقل . ولما كان من الملاحظ أن بين أفراد النوع الواحد من الحيوان تباينا كتباين أفراد الإنسان ، وأن بعضها أيسر تدريبا من بعض ، كان من البعيد عن التصديق أن قردا أو ببغاء من أكمل أفراد نوعه لا يساوي في ذلك أغبى طفل ، أو على الأقل طفلا مضطرب المخ ، إلا إذا كانت نفس الحيوان من طبيعة مغايرة كل المغايرة لطبيعة نفوسنا. فيجب علينا إذن أن لا نخلط بين الكلام والحركات الطبيعية، التي تدل على الانفعالات ، التي يمكن للآلات أن تقلدها، كما تقلدها الحيوانات ولا أن نعتقد، مع بعض الأقدمين ، أن الحيوانات تتكلم ، وإن كنا لا نفهم لغتها. لأنه لو كان ذلك صحيحا لكان في استطاعتها أيضا، ما دام لها كثير من الأعضاء المشابهة لأعضائنا، أن تفهمنا ما يختلج في صدورها كما تتفاهم وأبناء جنسها.
روني ديكارت
" مقالة الطريقة "
***
العلاقة الضروريّة بين الدال والمدلول
إميل بينفنيست
إن كل التسميات التي تحيل إلى نفس الواقع ، لها قيمة متساوية ؛ فأن توجد هذه التسميات ، ذلك هو دليل إذن على أن أيا منها لا يمكنه أن يدعي الانفراد بالتسمية في ذاتها على وجه الإطلاق ، هذا صحيح ، بل إنه من البداهة بمكان بحيث أنه لا يقيد بشيء يذكر. إن المشكل الحقيقي لأعمق من هذا بكثير، إذ يتمثل في الكشف عن البنية الخفية للظاهرة التي لا ندرك منها سوى المظهر الخارجي ، كما يتمثل في وصف علاقتها بمجموع التمظهرات التي تتوقف عليها.
وهكذا الشأن في العلامة اللسانية. فأحد مكونات العلامة هي الصورة الصوتية ويشكل الدال ، أما المكون الآخر فهو المفهوم ويشكل المدلول . إن العلاقة بين الدال والمدلول ليست اعتباطية بل هي على عكس ذلك علاقة ضرورية. فالمفهوم ( المدلول ) " ثور " مماثل في وعيي بالضرورة للمجموع الصوتي ( دال ) 00 الثاء والفتحة والواو والراء والتنوين ... وكيف يكون الأمر على خلاف ذلك ؟ فكلاهما نقشا في ذهني ، وكلّ منهما يستحضر الآخر في كل الظروف . ثمة بينهما اتحاد وثيق إلى درجة أن المفهوم " ثور " هو بمثابة روح الصورة الصوتيّة " الثاء والفتحة والواو والراء والتنوين " إن الذهن لا يحتوي على أشكال خاوية، أي لا يحتوي على مفاهيم غير مسماة (...)
إن الذهن لا يتقبل من الأشكال الصوتيّة إلا ذلك الشكل الذي يكون حاملا لتمثل يمكنه التعرف عليه ، وإلا رفضه بوصفه مجهولا وغريبا. فالدال والمدلول ، التمثل الذهني والصورة الصوتية، هما في الواقع وجهان لأمر واحد و يتشكلان معا كالمحتوي والمحتوى. فالدال هو الترجمة الصوتيّة للمفهوم ، والمدلول هو المقابل الذهني للدال . إن وحدة الجوهر هذه للدال والمدلول هي التي تضمن الوحدة البنيويّة للعلامة اللسانية.
إميل بينفنيست
" مسائل في الألسنية العامة "
***
اعتباطية العلامة اللسانية
فاردينان دي سوسور
إن الرابط الذي يجمع بين الدال والمدلول رابط اعتباطي أو بعبارة أخرى، وبما أننا نعني بكلمة علامة المجموع الناتج عن الجمع بين الدّال والمدلول يمكننا أن نقول بصورة أبسط : إن العلامة اللسانية اعتباطية.
وهكذا فإن المفهوم " أخت " لا تربطه أية علاقة داخلية بتتابع الأصوات التالي : الهمزة ، الضمة والخاء والتاء والتنوين الذي يقوم له دالا، ومن الممكن أن تمثله أية مجموعة أخرى من الأصوات : ويؤكّد ذلك ما يوجد بين اللغات من فوارق في تسمية الأشياء بل و اختلاف اللغات نفسه . فللمدلول " ثور " دال ثور ( الثاء والفتحة والواو والراء والضمة والتنوين ) في العربية و ( بوف ) في الفرنسية و ( اوكس ) في الألمانية .
وقد استعمل بعضهم كلمة symbole أي رمز ويعني بها العلامة اللسانية أو بعبارة أدق ما سميّناه الدال. لكن فيه عيوبا تحول دون قبوله وترجع بالذات إلى مبدئنا الأول . فالرمز يتميز بكونه ليس دائما اعتباطيا تماما، فهو ليس خاويا، بل نجد فيه شيئا طفيفا من الربط بين الدال والمدلول : فلا يمكن أن نعوض الميزان رمز العدالة بما اتفق من الأشياء الأخرى كالعربة مثلا.
ثم إن كلمة اعتباطي تستوجب كذلك إبداء ملاحظة : فلا ينبغي أن يفهم منها أن الدال خاضع لمحض اختيار المتكلم إذ سنرى فيما يلي أنه ليس بوسع الفرد أن يلحق أي تغيير بعلامة قد اتفقت عليها مجموعة لسانية ما. إنما تعني أن الدال أمر غير مبرر أي أنه اعتباطي بالنسبة إلى المدلول وليس له أي رابط طبيعي موجود في الواقع .
فاردينان دي سوسور
" دروس في الألسنية العامة "
***
حدود اللغة
هنري برغسون
وقصارى القول إننا لا نرى الأشياء ذاتها، بل نحن إنما نكتفي - في معظم الأحيان - بقراءة تلك البطاقات الملصقة عليها. وهذا الميل المتولد عن الحاجة قد تزايد شدة تحت تأثير اللغة. والسبب في ذلك هو أن الألفاظ ( فيما عدا أسماء الأعلام ) تدل على أجناس . ولما كان اللفظ لا يستبقي في الشيء إلا أعم وظيفة له وأكثر جوانبه ابتذالا، فان من شأنه حينما يتسلل بيننا وبين الشي ، أن يحجب صورته عن عيوننا، إذا لم تكن الصورة قد توارت من قبل خلف تلك الحاجات التي عملت على ظهور ذلك اللفظ نفسه . وليست الموضوعات الخارجية وحدها هي التي تختفي عنا، بل إن حالاتنا النفسية هي الأخرى لتفلت من طائلتنا بما فيها من طابع ذاتي شخصي حي أصيل . وحينما نشعر بمحبة أو كراهية أو حينما نحس في أعماق نفوسنا بأننا فرحون أو مكتئبون فهل تكون عاطفتنا ذاتها هي التي تصل إلى شعورنا بما فيها من دقائق صغيرة شاردة وأصداء عميقة باطنة، أعني بما يجعل منها شيئا ذاتيا على الإطلاق ؟.... الواقع أننا لا ندرك من عواطفنا سوى جانبها غير الشخصي ، أعني ذلك الجانب الذي استطاعت اللّغة أن تميزه مرّة واحدة وإلى الأبد ... إننا نحيا في منطقة متوسطة بين الأشياء وبيننا أو نحن نحيا خارجا عن الأشياء، وخارجا عن ذواتنا أيضا...
هنري برغسون
" الضحك "
*
**
الآخر والتواصل
موريس مرلوبونتي
إما أنا أو الآخر، علينا أن نختار بينهما، هكذا قيل . غير أننا نختار الواحد ضد الآخر، ونؤكد حينئذ النزاع . فيحوّلني الآخر إلى موضوع ثم ينفيني ، وأنا بدوري أحول الآخر إلى موضوع ثم أنفيه ، هكذا قيل . لكن نظرة الآخر لا تحولني في حقيقة الأمر إلى موضوع ، كما أن نظرتي لا تحول الآخر إلى موضوع إلا إذا انسحب كل منا داخل طبيعته المفكرة وأضحى كل منا نظرة لا إنسانية بالنسبة إلى الآخر، إلا إذا أحس كل منا بأفعاله ، لا من حيث أن الآخر يستعيدها ويفهمها، بل من حيث هو يلاحظها كما لو كانت أفعال حشرة. هذا ما يحصل مثلا عندما يسلط علي نظر شخص مجهول .
غير أن الإحساس بوطأة موضعةكل واحد منا بفعل نظرة الآخر، هذا الإحساس لا يصبح ممكنا في هذه الحالة إلا لأنه يحل بدل تواصل ممكن . إن نظرة كلب إلي لا تحرجني البتة. فرفض التواصل هو كذلك ضرب من التواصل. إن الحرية التي تتخذ شتى الأشكال ، والطبيعة المفكرة، وهوية الشخص التي لا يشاركه فيها أحد، والوجود الذي لا قيمة له ولا معنى، كل هذا يرسم لدي ولدى الآخر حدود كل تعاطف ، ويعلق التواصل فعلا، لكن لا يقضي عليه .
فان كان الأمر يتعلق بشخص مجهول لم ينطق بعد تجاهي بكلمة واحدة ؛ يبقى بوسعي الاعتقاد أنّه يعيش في عالم مغاير لعالمي ، عالم لا تستحق فيه أفعالي ومشاعري أي مكان . لكن يكفي أن ينطق بكلمة أو أن تصدر عنه حركة تنم عن نفاد صبره حتى يكف عن الاستعلاء علي . ذلك إذن هو صوته ، وتلك هي أفكاره . ذلك هو إذن المجال الذي كنت أعتقد أنّي لا أطاله . إن أي كائن [ إنساني ] لا يستعلي على الكائنات [ الإنسانية ] الأخرى بشكل نهائي إلاّ متى ظل عاطلا وجاثما على اختلافه الطبيعي .
موريس مرلوبونتي
" ظاهراتية الإدراك "
***
اللغة أداة اندماج الإنسان في العالم.
"جورج غوسدروف"
لا تشكل اللغة واقعا نموذجيا عن الإنسان المتكلم، فلا هي بالكلمة الربانية ولا هي بالنسق المغلق والكامل أو الآلة الروحانية المنتظمة لحياة الأفراد بما لها من خاصية أنطولوجية. إن الكلام الإنساني لا يكتفي بترديد حقيقة سابقة، ولو كان الأمر كذلك لانتفت من الكلام كل فعالية داخلية. وكل فلسفة لا ترى في الإنسان المقياس، فهي تفصل الكلام إلى لغة خالقة متعالية وأخرى إنسانية مخلوقة، خالية من كل مبادرة ومن كل مواكبة للحياة. ولكن حتى الجمع بين هاتين اللغتين لا يساوي اللغة الإنسانية. لذلك فإنه ينبغي علينا من الآن فصاعدا أن نعتبر الكلام لا نسقا موضوعيا منسوبا إلى ضمير الغائب، وإنما عملا شخصيا. أن يأخذ المرء الكلمة، فذلك من مهامه الرئيسية. ولابد هنا من العودة إلى المعنى الحرفي لهذه العبارة، إذ لا وجود للغة قبل المبادرة الشخصية التي تحركها. أما اللسان الجاري فإنه يوفر فقط إطار يتحقق ضمنه فعل المتكلم. والكلمات ودلالاتها تكون إمكانات على ذمة الإنسان المتكلم تكتمل البتة ولا تتوقف أبدا من الحركة. إن لغة الشخص ليست في تحققها الفعلي مخضعة للمعجم بل إن المعجم هو الذي يتعين عليه أن يتعقب أثر الكلمة الحية وأن يبوب دلالاتها.
وبهذا تظهر لغة حية ما على أنها لغة أناس أحياء (…) إن العنصر الذي قد منه الكلام هو كل مركب يحركه قصد إلى الدلالة(…) وفي حياة الفكر لا يجب أن نعتبر أن الجملة مركبة من ألفاظ، بل الأصح أن نقول إن الألفاظ هي بمثابة خزان الجمل الترسبي حيث تتمظهر إرادات التعبير.
ليس أبلغ من هذا إيضاحا لكون الكلام الإنساني هو فعل على الدوام. فاللغة الأصيلة إنا تتدخل في وضع ما كلحظة من لحظاته أو كرد فعل عليه. ومهمتها حفظ توازن ذلك الوضع أو استعادته، وتأمين اندماج الشخص في العالم، وتحقيق التواصل.
جــورج غوســدورف"الكــــــلام"
***
لما كانت الكلمات جزءا من المخيلة, أي لما كنا ننحت العديد من التصورات وفق ما للكلمات من تركيب مجمل في الذاكرة... فليس من شك في أن هذه الكلمات قد تكون شأنها شأن المخيلة سببا في أخطاء فادحة كثيرة إن لم نحترس منها احتراسا شديدا. زد علي ذلك أنها من تأليف العامة التي اصطلحت عليها وفقا لمنظورها الخاص, و إذاك فهي لا تعدو إلا أن تكون علامات للأشياء على نحو ما تكون عليه هذه الأشياء في المخيلة لا على نحو ما تكون عليه في العقل, وهو ما يبدو جليا في كوننا غالبا ما نطلق على الأشياء التي لا توجد في المخيلة و إنما توجد في العقل فحسب أسماء منفية كقولنا: لاجسماني, لا محدود، و ما إلى ذلك, وأيضا في كوننا نعبر سلبا عن العديد من الأشياء بينما هي في الواقع أشياء إيجابية أو العكس بالعكس كقولنا: غير مخلوق غير تابع، غير محدود، غير فان، ذلك أننا نتخيل بالتأكيد نقائضها بأكثر سهولة، مما يجعل نقائضها هذه ترد هي الأولى على الناس الأولين وتحتكر الأسماء المثبتة. فنحن نثبت أو ننفي العديد من الأشياء لأن طبيعة الكلمات لا طبيعة الأشياء، هي التي تتحمل ذلك، إن جهلنا بهذا الأمر قد يجعلنا ننخدع بسهولة فننظر إلى الباطل على أنه الحق.
سبينوزا: رسالة في إصلاح العقل
***
إن الألسن المختلفة مقارنة ببعضها البعض تظهر أننا لا نصل أبدا بواسطة الكلمات إلى الحقيقة و لا إلى تعبير مطابق: لولا ذلك لما كان هناك ألسنة جد مختلفة.
إن الشيء " في ذاته" ( ستكون بالضبط هذه هي الحقيقة الخالصة دون نتائج ) حتى بالنسبة لمن يصنع اللسان يتعذر إدراكه و لا يستحق الجهود التي يتطلبها.
إن من يصنع اللسان يشير فقط إلى علاقات الأشياء بالبشر و يستعين للتعبير عنها بأكثر الاستعارات جرأة. تنقل أولا إثارة عصبية إلي صورة. وهذه أول استعارة ، الصورة من جديد تحولت إلى صوت متمفصل وهذه ثاني استعارة و في كل مرة هناك قفزة كاملة من دائرة إلى دائرة أخرى مغايرة كليا و جديدة.
يمكننا أن نتخيل رجلا أصما كليا و لم يكن له قط إحساس بالصوت ولا بالموسيقى: هذا الرجل بنفس اندهاشه لذبذبات رومون شلاندي(1) الصوتية المرسومة في الرمل يجد علتها في ارتعاش الحبال ويقسم بعدها استنادا إلى ذلك أنه لابد يعرف الآن ما يسميه الناس " صوتا ". هكذا هو الأمر بالنسبة لنا جميعا بخصوص اللغة. إننا نعتقد معرفة شيء ما بخصوص الأشياء ذاتها عندما نتحدث عن أشجار عن ألوان عن ثلج وعن أزهار بينما نحن لا نملك شيئا سوى استعارات عن الأشياء لا تتطابق مطلقا مع الكيانات الأصلية مثل الصوت كرسم على الرمل, إن مجهول ( س) " الشيء في ذاته " الغامض مأخوذ مرة كإشارة عصبية ثم كصورة وأخيرا كصوت متمفصل. وفي كل الحالات لا تنبثق ولادة اللغة منطقيا وكل المواد التي داخلها وبواسطتها يشتغل رجل الحقيقة, العالم والفيلسوف, و يبني لاحقا, إن لم تكن متأتية من التحليق في السحب ليست متأتية أيضا في كل الحالات من جوهر الأشياء.
LE LIVRE DU PHILOSOPE 3 P179 Traduction A .K. Marietti , Aubier Flammarion 1969
الهامش: شلاندي فيزيائي ألماني درس الذبذبات الصوتية بواسطة رسومه الرملية
***
ونحن حين نتعلم لغة أجنبية نستطيع أن نخضع أنفسنا لتجربة تشبه تجربة الطفل، ثمة لا يكفينا أن نحرر معجما جديدا أو أن تعرف أنفسنا جهازا مجردا من القواعد النحوية كل ذلك ضروري و لكنه الخطوة الأولى وأقل الخطوتين أهمية وأهم منها أن نتعلم التفكير بالغة الجديدة وإلا بقيت جهودنا عقيمة لا تثمر ولا تكمن الصعوبة في تعلم لغة جديدة بقدر ما تكمن في نسيان لغة قديمة فنحن قد فقدنا الحالة العقلية التي كانت لدى الطفل حين تقدم أول مرة من فكرة العالم الموضوعي أما اليافع فإن العالم الموضوعي لديه شكلا محددا نتيجة لفعالية الكلام وهي فعالية قد شكلت فعالياتنا الأخرى جميعا واتحدت من ثمة مدركاتنا ومحدوساتنا وأفكارنا مع مصطلحات لغتنا الأم وأشكال الكلام فيها وإذا نحتاج جهودا جبارة لكي نحل الرابطة التي تصل بين الكلمات والأشياء ومع ذلك فإن علينا حين نشرع في تعلم لغة جديدة أن نبذل مثل هذه الجهود وأن نفصل بين ذلك العنصرين فإن تغلب المرء علي هذه الصعوبة خطى خطوة هامة في تعلم لغة ما. و حين نتغلغل في روح لغة أجنبية يتراءى لنا دائما أننا ندخل عالما جديدا له مبناه الفكري الخاص به وهذا يشبه رحلة استكشاف في بلاد غريبة أما الكسب العظيم الذي نناله من هذه الرحلة فهو أن ننظر إلى لغتنا الأم في ضوء جديد يقول جوته " إن من لا يعرف لغات أجنبية لا يعرف شيئا من لغته "
أرنست كاسيرر: محاولة حول الإنسان