ثانيا- من حيث نسبة مساهمات قطاعات الاقتصاد الرئيسية في الناتج المحلي الإجمالي:
تراجعت في هذا الخصوص نسبة مساهمة الزراعة لصالح قطاعي الخدمات والصناعة، وذلك كما يظهر من الجدول التالي:
جدول رقم (1)
نسبة مساهمات الزراعة والصناعة والخدمات في الناتج المحلي الإجمالي الهندي
السنة 51-1960 61-1970 71-1980 81-1990 91-1999
قطاع الزراعة 50% 45% 38% 32% 28%
قطاع الصناعة 21% 22% 26% 27% 25%
قطاع الخدمات 29% 33% 36% 45% 47%
يتضح من هذا الجدول أن التغير في نسب مساهمات قطاعات الاقتصاد الرئيسية قد تم خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات، إذ تراجعت نسبة مساهمة الزراعة بنحو 13% خلال عامي 1970-1990 (أي من 45 إلى 32%)، في حين زادت نسبة مساهمة قطاع الخدمات بنحو 12% خلال نفس الفترة (من 33 إلى 45%)، وبالمثل بالنسبة لقطاع الصناعة الذي زادت نسبة مساهمته خلال نفس الفترة بنحو 5% (من 22 إلى 27%). وبخلاف ذلك فإنه لم يحدث سوى تغير طفيف على نسب مساهمات هذه القطاعات خلال عقود الخمسينيات والستينيات والتسعينيات تتراوح ما بين 2-3% سواء بالزيادة أو بالنقصان داخل كل قطاع.
ويمكن تفسير ذلك بالتغير الذي طرأ على دور الدولة في هذه القطاعات، حيث كان قطاع الزراعة خلال عقدي الخمسينيات والستينيات هو بؤرة اهتمام الدولة الهندية، من خلال ما عرف بالثورة الخضراء التي أدت إلى زيادة المساحة المزروعة في الفترة بين عامي 1951-1970 من 118.7 مليون هكتار إلى 140.3 مليونا. وعلى النقيض من ذلك خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات حيث جاء التوسع الأهم من قبل الدولة في قطاعي الصناعة والخدمات، وبخاصة بعد إجراءات التأميم للبنوك وقطاع التأمين وغيرها من القطاعات الأخرى في أواخر الستينيات. وقد كان من الملاحظ أن المساحة المزروعة لم تزد خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات عن مليوني هكتار فقط، فبلغت عام 1990 نحو 142.3 مليون هكتار. هذا بالإضافة إلى ما تتميز به الزراعة الهندية من حيث السمة المحافظة للفلاح الهندي وتفتت الملكية وصعوبة الزراعة العلمية، والأهم من ذلك ارتباط إنتاجيتها إلى حد كبير بالظروف المناخية.
أما في عقد التسعينيات فقد كان لسياسات الإصلاح الاقتصادي آثار مزدوجة على نسب مساهمة هذه القطاعات. ففي الوقت الذي تسبب فيه عدم ضخ الدولة لاستثمارات جديدة في القطاع العام الصناعي إلى انخفاض نسبة مساهمة قطاع الصناعة لأول مرة في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 2% (من 27% عام 1990 إلى 25% عام 1999)، فإن بطء عملية الخصخصة في قطاع الخدمات حال دون حدوث طفرة في نسبة مساهمة هذا القطاع، حيث لم يطرأ عليه سوى زيادة طفيفة بلغت 2% فقط (من 45% عام 1990 إلى 47% عام 1999).
ثالثاً- من حيث معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي وقطاعات الاقتصاد الرئيسية:
كانت الهند مشهورة بما يطلق عليه معدل النمو الهندوسي وهو 3%، إلا أنها تجاوزت هذا المعدل المتدني منذ أوائل الثمانينيات، وذلك كما يوضحه الجدول التالي:
جدول رقم (2)
معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي وقطاعات الاقتصاد الرئيسية في الهند
السنة 51-1960 61-1970 71-1980 81-1990 91-2000
الناتج المحلي الإجمالي 3.6% 4% 3% 5.7% 6.1%
الزراعة 2.9% 2.9% 1.8% 3.2% 3.8%
الصناعة غ.م غ.م 4.5% 6.4% 6.7%
الخدمات غ.م غ.م 4.3% 6.3% 7.7%
وكما هو مبين في هذا الجدول، فقد شهد عقد الثمانينيات في مرحلة ما قبل الإصلاح الاقتصادي زيادة ملحوظة في معدلات النمو لكافة قطاعات الاقتصاد الرئيسية، وهو الأمر الذي انعكس على معدلات النمو لدخل الفرد الذي كان ينمو بمعدلات متدنية لا تتجاوز 1.5%. ومع هذا يرى كثيرون أن هذه الزيادة في معدلات النمو خلال الثمانينيات لم تتحقق بفضل كفاءة أكبر من قبل القطاعات الرئيسية للاقتصاد في توليد الموارد، بقدر ما كانت نتاجا للإنفاق الحكومي والقروض الخارجية في صورة مدخلات واستثمارات في هذه القطاعات. وعلى النقيض من ذلك فإن الزيادة الملحوظة في معدلات النمو خلال التسعينيات كانت بفضل النتائج الإيجابية للإصلاح الاقتصادي على الهياكل الإنتاجية لقطاعات الزراعة والصناعة والخدمات.
رابعاً- من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي:
من الملاحظ في هذا الخصوص أنه رغم التحسن الذي طرأ على دخل الفرد في الهند، حيث زاد من 52 دولارا عام 1951 إلى 197 دولارا عام 1979 ثم إلى 340 دولارا عام 1989، وأخيرا إلى 450 دولارا عام 2000، فإنه لا يزال دون مثيله في الدول النامية. ويتصل بدخل الفرد قضية معدلات خط الفقر، حيث لا تزال الهند مستمرة في كونها أكبر تركز للفقراء على مستوى العالم، إذ تبلغ معدلات خط الفقر بها وفقا لتقديرات عام 1994 نحو 35% من إجمالي عدد السكان.
ويمكن إرجاع هذا الانخفاض في متوسط دخل الفرد في الهند ومعدلات الفقر المرتفعة بها إلى جمود هيكل العمالة في قطاعات الاقتصاد الهندي. فعلى الرغم من تراجع نسبة مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي من 50% أوائل الخمسينيات إلى 28% أواخر التسعينيات فإنه لا يزال يعمل بها نحو ثلثي عدد السكان، في حين أنه لم يطرأ سوى تغير طفيف على هيكل العمالة في قطاعي الخدمات والصناعة، حيث لا يستوعب قطاع الخدمات سوى 20.5% من قوة العمل في الوقت الذي يسهم فيه بنحو 47% من إجمالي الناتج المحلي. وعلى هذا وكما أشار الرئيس الهندي في فبراير/ شباط 2001 فإن الهند بحاجة إلى معدل نمو سنوي بنسبة 9% خلال السنوات العشر القادمة، إذا ما أرادت مضاعفة دخل الفرد بها وتقليص معدلات الفقر إلى النصف.
خامساً- من حيث القدرة التنافسية للاقتصاد الهندي:
1- من حيث القدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية
نجد أن هذه القدرة لا تزال ضعيفة رغم ما شهدته من تطور منذ تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي، إذ كانت هذه الاستثمارات في عقد الثمانينيات تتراوح بين 200-400 مليون دولار سنوياً، بل ولم تتعد عام 1991 نحو 68 مليون دولار. ولكن منذ تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي شهدت الهند تطورا ملحوظا في هذا الميدان حيث وصلت الاستثمارات فيها عام 1996 إلى 2.6 مليار دولار، زادت عام 97/1998 إلى 3.56 مليارات دولار، وإن كانت قد تراجعت مرة أخرى عامي 99/2000، و2000/2001 إلى ملياري دولار فقط. هذا وتهدف الهند إلى الوصول بهذه الاستثمارات إلى 10 مليارات دولار سنوياً.
2- من حيث القدرة على المنافسة في الأسواق الخارجية
لا تزال أيضا هذه القدرة محدودة بسبب السياسة الحمائية للصناعة الهندية في مرحلة ما قبل الإصلاح الاقتصادي. ويتضح هذا الضعف الهندي التصديري عند مقارنته بدول آسيوية أخرى مثل الصين. ففي الوقت الذي لم يتجاوز نصيب الهند من الصادرات العالمية 0.67% عام 2001، بلغت الصادرات الصينية 3.4% من إجمالي الصادرات العالمية، وإن كان هذا لا ينفي التحسن الذي طرأ على القدرة الهندية في هذا المجال مقارنة بالعقود السابقة حيث لم تتعد هذه النسبة 0.6% عام 1994. هذا وقد زادت قيمة الصادرات الهندية من 8.3 مليارات دولار عام 1980 إلى 18.5 مليارا عام 90/1991 ثم إلى 43.1 مليارا عام 2000. ومما ساعد على هذه الزيادة في عقد التسعينيات تحرير سعر الروبية الهندية بدرجة كاملة عام 1993، حيث انخفضت قيمتها أمام الدولار من 20.08 روبية عام 1991 إلى 44.94 عام 2000. ومع هذا ينبغي الأخذ في الاعتبار أن الهند لا تزال تحقق عجزا تجاريا في ميزان مدفوعاتها بسبب زيادة وارداتها عن صادراتها حيث بلغت هذه الواردات عام 2000 نحو 60.8 مليار دولار.
3- من حيث المركز المالي
تمكنت الهند في هذا الخصوص من تحقيق قدر كبير من الاستقرار المالي لها، حيث زادت احتياطاتها من النقد الأجنبي إلى 30 مليار دولار أواخر التسعينيات بعد أن كانت لا تتجاوز مليارا واحدا أوائل التسعينيات. كما تمكنت بدرجة كبيرة من ضبط الارتفاع الكبير في ديونها الخارجية، فوصلت خلال الفترة 1991- 1999 من 71 مليار دولار إلى 98 مليارا، وذلك مقارنة بعقد الثمانينيات الذي زادت فيه هذه الديون من 20 مليار دولار عام 1981 إلى 71 مليارا عام 1991. بل والأهم من ذلك انخفاض خدمة هذا الدين الخارجي إلى 20.6% من إجمالي حصيلة الصادرات عام 1998، بدلا من 28.4% عام 1993.
آفاق النمو في الاقتصاد الهندي
رغم ما أضحت تتمتع به الهند حالياً من استقرار مالي واقتصادي إلى حد كبير مقارنة بأوائل التسعينيات، ناهيك عن اندماجها الناجح في الاقتصاد العالمي في بعض الصناعات الأكثر تقدماً مثل صناعة البرمجيات، فإن تحقيق الهند لطموحاتها بشأن الوصول بنسبة صادراتها إلى 1% من إجمالي الصادرات العالمية بحلول عام 2007، واستقطاب 10 مليارات دولار سنوياً من الاستثمارات الأجنبية، وتحقيق معدل نمو سنوي بنسبة 9% خلال السنوات العشر القادمة، تحوطه شكوك عميقة ما لم تتم المعالجة الفعالة لكثير من التحديات، وأهمها:
1- ضعف مستوى التنمية البشرية
ومن الملاحظ في هذا الخصوص أن هذا الضعف لا يتصل فقط بمستويات الصحة أو التعليم، إذ لا تزال معدلات الأمية تصل إلى 48% من إجمالي عدد السكان، كما أن البنك الدولي يقدر تكلفة سوء التغذية في الهند بنحو 10 مليارات دولار سنويا في صورة ضعف في الإنتاجية والمرض والوفاة. ناهيك عن انتشار الإيدز مؤخرا فيها حيث وصل عدد الحالات المصابة إلى خمسة ملايين حالة، مما يجعل الهند في المركز الثاني بعد جنوب أفريقيا من حيث الإصابة بهذا المرض. بل ومما لا يقل عن ذلك أهمية ما يتعلق بانخفاض مستوى وإنتاجية العامل الهندي، نتيجة خلو خطط التنمية الهندية من إستراتيجية للتنبؤ باحتياجات سوق العمل.
2- بطء عملية الخصخصة
وفي هذا يبدو أن القيادة الهندية لم تستفد من أخطائها التاريخية بشأن التفاعل مع المتغيرات الاقتصادية العالمية بالمعدلات المطلوبة. وتبدو أهمية الإسراع بمعدلات الخصخصة في ضوء الضعف البنيوي الذي تتسم به قطاعات الاقتصاد الرئيسية في الاقتصاد الهندي.
3- تدهور مستويات الاستقرار السياسي الإقليمي
ويضاف إليه في حدود معينة الاستقرار الداخلي، إذ إن التصعيد العسكري مع باكستان من شأنه أن يهدد ليس فقط معدلات النمو، وإنما البنية الاقتصادية الهندية بأكملها في حال استخدام الأسلحة النووية أو غيرها من الأسلحة ذات التكنولوجيا المتقدمة. كما أن انتشار العنف الطائفي من شأنه التأثير السلبي وبقوة على الاقتصاد الهندي ومناخ الاستثمار فيه.